قصة الكتاب
عادة ما تكون تجربة المرض لحظة ضعف وانكسار، لكن عند قراءة كتاب «أنا والسرطان» لمؤلفه محمد شروق يجد القارئ نفسه أمام مريض من نوع آخر اختار التعامل مع المرض الفتاك بروح عالية وبمعنويات مرتفعة. لقد اختار محمد شروق منذ اكتشاف إصابته مواجهة هذا الداء القاتل، على أن يدون كل مراحله كاشفا للمصابين مثله وللقراء عامة سبيلا آخر، من أجل الحد من المرض والقضاء عليه. نحن هنا أمام إرادتين في مواجهة مفتوحة، إرادة الصمود مقابل إرادة التدمير. حينما كشف شروق عن استراتيجيته لطبيبه المعالج، رحب هذا الأخير بالفكرة وشجع عليها، تدوين التجربة المرضية لمريض يشتغل في الأصل بحقل الصحافة والإعلام يجعل من الأمر استمرارا للأداء المهني لصاحبه في تصوير واقع شريحة من المرضى من خلال التركيز على الذات كحالة تعيش التجربة. الهدف من الكتاب كان هو بث الأمل في النفوس وكسر حاجز الخوف ووضع التجربة الخاصة رهن إشارة مرضى السرطان الراغبين في الانتصار على المرض. البروفيسور عبد اللطيف ابن إيدار، الأستاذ بكلية الطب والصيدلة ومدير مركز محمد السادس لعلاج السرطان يرى في تقديمه للمؤلف أن «كتاب «أنا والسرطان» تعبير عن تجربة جماعية بصيغة المفرد، لأن الكثير من المرضى سيجدون أنفسهم في طي الكتاب وأكيد سيساعدهم على مواجهة الداء بكل قوة وشجاعة وإرادة».
منذ اليوم الأول الذي تأكدت فيه أنني مصاب بداء السرطان، قررت أن أحول هذا الحدث المفاجئ في مسار حياتي إلى طاقة إيجابية.
- كيف ذلك؟
كل الأصدقاء المقربين الذين عرفوا بالخبر الشديد على المعنويات المرتفعة في التعامل مع هذا الداء اللعين الذي حيكت حوله الحكايات والأساطير.. الحرص على المعنويات كلمة سهلة ينطقها صديق ولكن ترجمتها إلى الواقع في مسار العلاج الذي كان يبدو لي في البداية عالما مجهولا وأمرا صعب التنفيذ، خاصة وأن العلاج يمتد في أحسن الأحوال إلى ستة أشهر، مما يتطلب الكثير من الصبر والجلد.
- ويبقى السؤال هو: كيف أحول هذا الطارئ في حياتي إلى أمر إيجابي؟
أيقنت منذ البداية بأن الحرب على المرض أشبه بمباراة في الملاكمة لا مجال فيها للتعادل. فإما أن أدحر المرض أو يدحرني.
هي إذن مباراة حياة أو موت.
قررت أيضا منذ البداية، وبما أنني أشتغل في مجال الصحافة والكتابة ولم أعرف في حياتي إلا هذا، أن أدون تجربتي مع المرض في كتاب لعدة اعتبارات ودوافع:
أولا: ملء الفراغ خلال حصص العلاج الكيميائي التي تمتد إلى ساعات بأمر مفيد.
ثانيا: عدم التركيز على المرض والابتعاد عن تفاصيله المؤلمة وتشتيت الانتباه ومحاولة الانكباب على تقاسم الألم مع القلم والحبر والورق.
ثالثا: إطلاع الآخرين على خبايا هذا المرض والتعايش معه من خلال طرح تجربتي للعموم، لأنني وقفت خلال مرحلة التشخيص الطويلة على جهل الناس بالكثير من الأمور عن مرض السرطان الذي تعددت أسماؤه عبر التاريخ.
رابعا: كنت دائما أفكر في تأليف كتاب حول موضوع ما يخلد اسمي ولو في مساحة محدودة جدا. وها هي الفرصة تتاح بين يدي لاختزال تجربتي مع المرض في كتاب، وهي تجربة إنسانية غنية بكل المقاييس.
لذا، منذ البداية حاولت أن أضغط على نفسي فأخبرت المحيطين بي في المصحة من أطباء وممرضين وحتى الأصدقاء والعائلة بمشروع الكتاب.
وهكذا دونت أول سطر يوم 07 غشت 2014، علما أن أول حصة لي في العلاج الكيميائي كانت يوما فقط قبل هذا التاريخ.
شرعت في الكتابة على سرير العلاج بالمصحة. كان الدواء ينساب إلى داخل الجسم عبر الأكياس وحبر القلم يسيل فوق الورق.. كتابة بأحاسيس ومشاعر حقيقية ووسط نظرات المرضى والفريق الطبي.
الكتاب إذن عصارة تجربة إنسانية غنية بالمشاعر والأحاسيس، عشتها وأنا أقاوم وأتعايش مع مرض ملعون اسمه السرطان.
الكتاب سرد للمعاناة بدءا من مرحلة التشخيص إلى نهاية العلاج، مرورا عبر محطات العلاج المؤلمة.
في الكتاب أيضا حكي عن المرض الفتاك الذي يغزو الاجساد ويطيب له السكن فيها. ويرفض المغادرة إلا بإعلان موت أحدهما.. المريض أو المرض.
عندما عزمت على تدوين الكتاب، قررت ألا أنجز كتابا قريبا إلى عالم الطب، ضاجا بالنصائح، بل حاولت فقط أن أحكي عن تجربتي الخاصة. وما أحرص عليه شديد الحرص من خلال هذا الكتاب هو تبليغ رسالة إلى كل مصاب بداء السرطان:
تمسك بالأمل في الشفاء، لا تخف من الداء. انفتح على محيطك وتكلم عن كل تفاصيل المرض بأريحية مع المقربين منك، فالأكيد أنهم سيتقاسمون معك مخاض المعاناة ويخففون عنك قسطا من الألم.
وفي الكتاب عودة لبعض المواقف الساخرة ونظرة مختصرة عن حياة الكاتب.
الكتاب إضافة نوعية إلى المكتبة المغربية والعربية التي تشكو من نقص كبير في مجال البوح الذاتي حول تجربة مرض السرطان.
على المستوى العربي، وحسب البحث الذي قمت به، اهتديت إلى هذه العناوين:
• «الألم.. الكتاب الثاني من السيرة الذاتية» للفنان المغربي المرحوم العربي باطما
• «ثورة جسد» للصحافية التونسية ألفة السلامي
• «حكايتي مع مرض السرطان» للصحافي اللبناني كمال قبيسي
• «لا تنس الله» للمرحومة ليلى لحلو من المغرب أما بأوروبا، وخاصة فرنسا وأمريكا، فهناك كتب كثيرة غالبا ما ينجزها صحافيات وصحافيون، أذكر منها آخر كتاب صدر بفرنسا للصحافية الفرنسية Noëlle noblecourt بعنوان c’est rien c’est juste un cancer.وكتاب the cost of hope «تكلفة الأمل» للصحافية الأمريكية amanda .bennett وفي الكتاب الذي فازت بفضله بجائزة بوليتزر pullitzer الشهيرة للصحافة، تحكي عن حرب زوجها مع مرض السرطان.
تعمدت أن أقرأ جميع هذه الكتب وكتبا أخرى بعد أن أنهيت كتابي حتى لا أتأثر بأي واحد منها.