شوف تشوف

الرأي

قصة الخبثاء مع المغفلين

خالص جلبي

يقول «هربرت ويلز»، في كتاب «معالم تاريخ الإنسانية»: «إن نظام الكون الاجتماعي يعاقب المغفلين، كما يعاقب المجرمين». وتتولد من هذا القانون ثلاث حقائق:

ـ أن الكون يقوم على نظام اجتماعي، كما في فيزياء الذرة وبيولوجيا الخلية.

ـ وأن التاريخ يعاقب (المغفلين) كما يعاقب (المجرمين)، لأن نظام الكون الاجتماعي قابل للارتداد وعكوس «يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم».

ـ وثالثا أن من غفل عن سنن الله لا تغفل عنه سنن الله.

وبالنسبة (إلى المغفلين) فقد ظهرت في حرب الخليج الأولى، التي مولتها 30 دولة وامتدت أكثر من الحرب العالمية الثانية، وحصدت أرواح مليون شاب، وأحرقت 400 مليار دولار، وخربت العراق وإيران بعبث كامل.

وأما قصص (الخبثاء) فكانت في اتهام العراق بامتلاك أسلحة الدمار الشامل، وأن العراق بحاجة إلى ديموقراطية.. فأما أسلحة الدمار الشامل فالكل يمتلكها من هندستان ومرورا بإسرائيل وانتهاء بأمريكا. وأما الديموقراطية فشاهدها كيف يثبتون طاغية في كرسيه، حتى الاغتيال أو السجن أو التعفن..

وأما أن حاكم العراق ديكتاتور كما زعموا عن صدام المصدوم بالصدمة والدهشة، فليس صدام الوحيد في العالم العربي. مع هذا فإن ظاهرة الاستعمار يمكن رؤيتها من زاويتين، «أخلاقية» و«اجتماعية»، فهو مدان لأنه سارق ومجرم. ولكنه من الزاوية «التاريخية» جيد، وهنا وجه الغرابة. فالاستعمار جاء وانتزع منا لقمة الخبز اليابسة، التي كنا نقتات بها، ولكن لولا مجيء الاستعمار لبقينا نضرب الشيش في البطون ونزمر لأفاعي الكوبرا المتمايلة، ونبلع الزجاج والخرافات.

ويعتبر المؤرخ «توينبي» أن إسرائيل في المنطقة هي «المنخس» الحضاري للعرب، أو بتعبير «سقراط» ذباب الخيل الذي يهيج الخيول ويخرجها عن الخمول. وقد عبر عن هذا «أرنولد توينبي» بأسلوب آخر، حين قال: «من عجائب التاريخ أن سلوك البشر يحقق نتائج لا تخطر في بال الذين رغبوا في أهداف فتحقق غيرها»، وهذا الذي يحصل في صراع ديناصورات القوة.

إن الله جعل لمخالفي قوانينه من المغفلين والمجرمين العقوبة التي تأتي فورا، أو «لاحقا». ونحن صرنا قابلين للاستعمار، قبل أن تتحقق ظاهرة الاستعمار. وكلما تغافل الناس عن العقوبات، تأتي العذابات مضاعفة مع فوائدها المركبة. ويبدو أن العالم الإسلامي لم يهتم بالعواقب ولا يربط الأسباب بالنتائج، ولهذا لم يوقظه ظهور إسرائيل في عام 48 كما لم تفعل له شيئا هزيمة 67، ولم تفزعه حرب الخليج الثانية التي كانت أكبر من أخواتها من الحروب، عندما نسي العرب إسرائيل وتبين لهم أن الصراع العربي العربي أخطر من إسرائيل.

والمصائب توقظ الأجيال، لأن ذلك يعمل لصالح التاريخ، فهذه قوانين وجودية تحكمنا وتحكم البشر جميعا عربا وأمريكان وطليان وطالبان. ونحن اليوم نواجه أمما متحدة مصابة بالعنة في مواجهة روما الجديدة، كما كان العالم بعد معركة زاما عام 202 قبل الميلاد. ولكن قانون التاريخ دفن روما فلم يبق من الكولوسيوم سوى الأطلال. ولو أن ألمانيا النازية انتصرت، لأمكن لهتلر أن يصنع أمما متحدة أسوأ من هذه الموجودة. فماذا كان سيصنع أكثر من أن يعطي لنفسه وإيطاليا واليابان حق الفيتو. وهو المعنى الذي لم يكن يتكلم عنه أحد ونطقت به وزيرة العدل الألمانية يومها، وقالت إن بوش يتصرف مثل النازيين. لقد انفجر بوش غيظا من هذا التشبيه، ولكن بوش نفسه صرح في اليوم ذاته بأن الأمم المتحدة ستلحق بالمرحومة عصبة الأمم، ولكن الشيء الذي لم يقله الاثنان أن تتحول الأمم المتحدة إلى ديموقراطية عالمية. وإذا كان هذا الهدف بعيدا لا يتحدث عنه أحد، ولكن سيأتي اليوم الذي يدينون فيه حق الفيتو، كما شبهوا أمريكا بالنازية.

ولسوف تدفع المحن العرب إلى الاتحاد تحت الضغط، كما في تحول الكربون إلى الماس.

وتبقى الحرب نزعة انتحارية تقضي على من يمارسها، فمن أخذ السيف بالسيف يهلك. واليوم يكرر بوتين غلطة دولة آشور، وسيف تراجان الروماني وأورانك زيب الهندي، وكزركسيس الفارسي، وورتي من أسرة هان من الصين، والصليبيين عام 1099م.

وكما يقول «توينبي» فإن الصينيين حركوا أعشاش الزنابير الأوراسي، كما حرك العثمانيون عش الزنابير الأوروبي. واليوم يعيد بوتين الغلطة بوضع الأصابع في عش الزنابير الأوكراني.

وإذا كان هادريان قد حاول أن يرمم ما فعل سيف تراجان، فيتراجع عن الحدود في الخليج الفارسي، فإن الرجوع في المساحة لا يعني ذلك في السياسة. كما أن الحصار العثماني عام 1683م استنفر هجمة مضادة لم ينج فيها الغزو العثماني من العقاب، واستمر التراجع بدون توقف، وانحصر الأتراك في الأناضول موطن أجدادهم، ومزقوا كل ممزق.

واليوم لا تفتح تركيا أوروبا، بل تطلب أن تُفتَح وتناشد الانضمام إلى الوحدة الأوروبية، وتعدل قوانينها فينجو رأس أوجلان من حبل المشنقة.

وإذا كان الخميني قد تنبأ بسقوط الاتحاد السوفياتي، بعد تورط بريجنيف في أفغانستان، فهو أمر سوف يتكرر مع بوتين، ولن يكون استثناء في التاريخ. فالعدل هو الذي يولد الأمن، والأمن هو الذي يوسع الحريات. واليوم أبدل الله الأمريكيين أمنهم خوفا، ودخل عليهم الإرهاب الذي صنعوه كما في قصة فرانكشتاين. فهذا هو الشرك الذي يقتل الأمن، كما قال إبراهيم عليه السلام: «فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون؟».

واليوم في فلسطين ظهر سلاح أقوى من القنابل النووية وأسلحة الدمار الشامل بالانتحاريين، وبسبب من إسرائيل وأمريكا فهما من دفعا الأطفال إلى إنتاجه. ويحاولان تطويقه بحكومة عربية محلية بدون فائدة، فالشعوب لها طريقتها في الخلاص.

وسيحصل مع أمريكا وربيبتها إسرائيل ما هو معروف في علم الأمراض بتشكيل المضادات في الدم، وتبدأ المقاومة، وفي النهاية سترحل أمريكا وتبقى الدولة الصليبية في فلسطين لوحدها مطوقة بحزمة من دول تطلب رأسها، ويكرر التاريخ دورته كما في قصة صلاح الدين، وتلك الأيام نداولها بين الناس. فيجب أن لا نحزن ونستبشر بقانون التاريخ، الذي يمشي دوما باتجاه ما هو خير وأبقى.

 

نافذة:

إذا كان الخميني قد تنبأ بسقوط الاتحاد السوفياتي بعد تورط بريجنيف في أفغانستان فهو أمر سوف يتكرر مع بوتين ولن يكون استثناء في التاريخ

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى