قصة الجريدة التي استحوذ عليها الجنرال بتشين وسرّب لها وثائق حساسة
يونس جنوحي
عرض سخي قدمه الجنرال بتشين، إذن، لهشام عبود. قدم له نفسه، باعتباره مديره السابق أيام كان عبود موظفا في مكتبه، بمثابة الأب الراعي الذي يهمه أن ينجح الصحافي عبود في مشروعه الإعلامي ويوسعه.
كان الاقتراح عبارة عن شراكة لإصدار نسخة عربية من الجريدة التي كان يديرها عبود بالفرنسية. ويصبح الجنرال بتشين شريكا له، بالإضافة إلى الجنرال بن بوعليا الذي كان مصيره السجن والإفلاس لاحقا. هذا الأخير كان مفترضا فيه أن يساهم بالحصة الكبرى في رأسمال الشركة التي اقترح الجنرال بتشين إنشاءها.
لكن هشام عبود رفض. يقول: «رفضتُ العرض، وأخبرت الجنرال بتشين أنني لا أريد أن أدخل دائرة المافيا وأنني أيضا لا أتصور نفسي معهم.
زعيم المافيا (الجنرال محمد بتشين) لن يسامحني على ذلك الرفض. وبدأ يطلب مني إفراغ قبو فيلا والدته خلال أجل 24 ساعة.
كان عليّ إذن أن أوقف إصدار الجريدة ابتداء من يوم 3 نونبر 1993 والبحث عن مقر جديد.
استغل الجنرال فترة توقف الجريدة، بمعية الجنرال بن بوعليا، وحاولا التقرب من الصحافيين والعاملين في القسم التقني واقترحوا عليهم ضعف الأجور التي يقبضونها. بعض هؤلاء قبلوا العرض، والبقية فضلوا أن يذهبوا معي في مغامرة جديدة.
يوم 27 نونبر، عادت «الأصيل» باللغة الفرنسية إلى الصدور. وأصبح الجنرال بن بوعليا مديرا، والرحماني عزيز مديرا للصحيفة».
ماذا وقع إذن؟
الجنرال والصحافة
لم يتوغل هشام عبود كثيرا لكي يشرح لنا كيف أبرمت الصفقة. لكن كان واضحا أن الضغوط التي مورست عليه، معنويا على الأقل، كانت مثمرة بالنسبة للجنرال. أراد هشام عبود، كما هو واضح، أن ينقذ الجريدة من المنع، كما لو أنه منح الجنرال «عنوانا» للصحيفة، وفضل أن يبتعد، وتستمر التجربة مع تدخل الجنرال بتشين الذي أسس شركة كبيرة لدعم إصدار الجريدة. وتم كل شيء، كما هو واضح، بسرعة. لكن ماذا كان مصير المدير الجديد الذي ذكره هشام عبود في هذه المذكرات؟
لقد كان عزيز الرحماني كبش فداء قدمه الجنرال ببساطة. إذ إن الجنرال بتشين لم يرد الاستثمار في الصحافة لتنمية أمواله. بل، على العكس، أراد دخول غمار صاحبة الجلالة، لتصريف بعض الوثائق التي كانت لديه ويحرج بعض الشخصيات الكبرى في الدولة. كان الجنرال بتشين، بالإضافة إلى شريكه في المشروع، الجنرال بن بوعليا، يتوفران على وثائق حساسة من أسرار الدولة، وعملا على تسليمها لمدير الجريدة، عزيز الرحماني، وهو ما تسبب للأخير في المشاكل مع النظام. إذ إن الجنرال بتشين كان بطبيعة الحال بعيدا عن المُساءلة أمام القانون، لكنه في الواقع كان يتحكم في كل ما يُنشر، ويعطي التعليمات للمدير الجديد تقتضي نشر وثائق حساسة من أمن الدولة، ومعلومات عن شركات يديرها منافسوه، وهو ما جر الجريدة نحو مساءلات قانونية. بطبيعة الحال كان الجنرال بتشين بعيدا عن المُساءلة، ولم يكن أحد في جزائر التسعينيات يملك الجرأة لكي يتابعه أمام القانون.
كانت أوراق إدارة الجريدة مسجلة باسم الجنرال بن بوعليا وزوجة الجنرال بتشين، التي كانت ربة بيت عادية، لكنها وجدت نفسها شريكة في رأسمال منبر إعلامي يستفيد من الإشهار بغزارة ومن مجانية الطبع والتوزيع.
جريدة «الأصيل»، بإدارتها الجديدة، تحولت إلى ذراع للابتزاز وممارسة الضغط على خصوم الجنرال محمد بتشين شخصيا. ومديرها كان أضعف من أن يواجه المدير «المعنوي» للمشروع. كان الجزائريون يعرفون أن الجنرال بن بوعليا كان خاتما في أصبع الجنرال بتشين وأنه لا يرفض له طلبا، لكنه بدوره كان محميا لأنه جنرال في الجيش الجزائري، وأحد المقربين من دوائر المافيا. بينما مدير الصحيفة كان الحلقة الأضعف، لذلك لم تستمر تجربته سوى أشهر قليلة، ليجد نفسه في مأزق أمام النظام، وطبعا تخلى عنه الجنرال بتشين الذي كان يعطيه التعليمات التي ورطته، وطوى الصفحة.