قصة اتهام موظف في بنك بطنجة بسرقة الملايير وضخها في حسابي زوجته وابنه
كريم أمزيان
كان الشاب (ز.ي)، ذو الـ 33 ربيعا، الذي كان يشتغل في إحدى الوكالات البنكية المعروفة بطنجة، ينعم بحياة هادئة جدا، حيث كان يتقاضى راتبا شهريا محترما، ويعيش حياة سعيدة بمعية زوجته وابنه الصغير، كلها فرح وسعادة، مازالت بعض آثارها على محياه الذي يبدو دائما بشوشا، على الرغم من ظروف الاعتقال، ومرارة السجن، وثقل التهم التي الموجهة إليه.
لم يكن (ز.ي)، الشاب الوسيم ذو العضلات المفتولة، يدري يوما أنه سيرجع إلى الوراء، بعد كل الأشواط التي قطعها في حياته، وستتقهقر حياته، وتتوقف عجلات مساره المهني الذي استمر طيلة عشر سنوات، في محطة لا يعرف كم سيلبث فيها. كل هذا جرى في رمشة عين، فأصبحت حريته مقيدة بين يدي الهيأة القضائية في غرفة الجنايات الابتدائية، بقسم جرائم الأموال، في محكمة الاستئناف بالرباط. كان يقف أمامها بمعدل مرة أو مرتين في كل شهر، ثم تصفد يداه بعد كل جلسة، ويقتاد إلى السيارة التي تنقله إلى زنزانته في سجن سلا، منتظرا عودته إلى قاعة المحكمة من جديد في موعد لاحق.
كل جلسة من الجلسات التي يحضرها (ز.ي)، ينتظر أن يولد فيها من جديد، مترقبا قبول طلب دفاعه تمتيعه بالسراح المؤقت، إذ ينتظر كالطفل الذي يترقب سماع جرس مغادرة الحجرة، غير أن الجرس لا يقرع فيعود إلى من حيث أتى، منهزما فاغرا فاه، قبل أن يلقى أصدقاءه الذين يشاركونه الزنزانة نفسها، بتفاؤل كبير، منتظرا قبول متابعته في الملف الذي يوجد من أجله في السجن، في حالة سراح، أو إخلاء سبيله بعد الحكم عليه بالبراءة!
ملف متابعة (ز.ي) في حالة اعتقال، أصدرت فيه الهيأة القضائية المذكورة، في المحكمة ذاتها، بداية شهر نونبر، حكما تمهيديا يقضي بإجراء خبرة حسابية كإجراء من إجراءات تحقيق الدعوى، التي تستدعي ضرورة صدور حكم تمهيدي بشأنها، وهو الحكم الذي يجب أن يحدد مجموعة من الأمور أو المشتملات، والذي ستترتب عليه مجموعة من النتائج بعد صدوره، ما يعني أن ترقبه حسم ملفه مازال سيستمر إلى حين اطلاع المحكمة والنيابة العامة على الخبرة الحسابية التي تم إجراؤها، واستدعاء أطراف عدة تعتبر المحكمة تصريحاتها وإفاداتها في هذا الملف مهمة جدا، وقد تنير الطريق أمامها لفهم عدد من تفاصيله التي مازالت خفية، إذ تقرر إرجاؤه مجددا يوم الاثنين الماضي إلى غاية جلسة في نهاية هذا الشهر، من أجل استدعاء موظفين كانا بالأمس القريب يشتغلان إلى جانب (ز. ي)، في الوكالة البنكية ذاتها، التي اشتكى عدد من زبنائها من سرقة أموال ضخمة من حساباتهم تعد بملايير السنتيمات، جمعهم ملف (ز.ي)، بعد متابعته من أجل «اختلاس وتبديد أموال عمومية وخاصة، والتزوير في محررات بنكية»، فيما تقررت متابعة (م.ب) مدير الصندوق و(م.ز) مدير الوكالة البنكية في حالة سراح بتهمة المشاركة في ذلك.
ومن أجل أن تتضح معالم هذا الملف عدد 2015/2624/8، أكثر، كانت المحكمة قد قررت الاستماع إلى المتهمين المذكورين، اللذين لم يكف (ز.ي) عون الشباك في الوكالة المذكورة، عن ذكر اسميهما، ويقحمهما في حديثه، وهو يجيب عن أسئلة الهيأة القضائية، ويحكي وقائع وتفاصيل الملف التي تُطلب منه من قبل القاضي، خصوصا أنه هو المكلف باستخلاص وسحب المبالغ المالية، المتعلقة بالعمليات البنكية التي يجريها الزبناء في شباكه، وكان سيد نفسه في كل المهام التي يقوم بها في مكتبه، منذ التحاقه به في الصباح، إلى حين مغادرته مساء.
33 عملية مشبوهة
وثائق الملف، التي تمكنت «الأخبار» من الاطلاع عليها، تبرز أن أولى العمليات المشبوهة التي بدأت تدخل المتهم الرئيسي في قفص الاتهام، ولم يكن يعلم أنها قد تقوده إلى الاعتقال، وولوج ردهات المحاكم، بداية من البحث التمهيدي الذي أجرته معه الشرطة القضائية المكلفة بمثل هذا النوع من الملفات، ثم إحالته على النيابة العامة، التي أحالته بدورها على قاضي التحقيق، تلك المتعلقة بعملية بنكية تمت في الـ 22 نونبر 2011، استخلص من خلالها مبلغا قيمته 74 ألفا و124 درهما، برر حصوله عليه نقدا، من قبل رئيسه في العمل (م.ب) الذي وقعه، معتبرا إياه قرضا فقط، من أجل دفعه لتعشير سيارة مستقدمة من الخارج لدى إدارة الجمارك، وهو المبلغ الذي جرى استخلاصه من حساب بنكي تعود ملكيته لأحد زبناء الوكالة دون حضوره، والذي يدعى (ع.ح.ز)، الذي فقد في عملية أخرى مبلغا ماليا قيمته خمسة آلاف درهم، وهي العملية نفسها تقريبا التي تمت سابقا، وبالضبط في 21 مارس 2011، وهمت شراء شيك بمبلغ قيمته 250 ألف درهم، لفائدة المتهم، من الزبون ذاته، لا يتضمن شيك استخراجها توقيعه، وهو ما جعل الشكوك تتبادر إلى ذهنه.
التفاصيل الحصرية تبرز، وفقا لما جرت مناقشته في هذا الملف، الذي تم تسجيله أول مرة في المحكمة يوم الرابع من شهر غشت الماضي، أنه مباشرة بعد العمليتين المذكورتين واللتين تمتا بطريقة غير قانونية وتضمنتا مبالغ مالية مهمة، جرى ضبط عملية بنكية أخرى، استهدفت هذه المرة رئيس كتابة الضبط بالمحكمة الابتدائية بطنجة، والذي كان هو الآخر زبونا للوكالة ذاتها، إذ، بحسب معطيات الملف، ملأ الموظف (ز.ي) الشيك بخط يده، وهنا يشير المتهم حينما كانت المحكمة بصدد مناقشة الملف، إلى أن القانون لا يمنعه من ذلك، إذا طلب منه من قبل المعني بالأمر، فيما صاحب الشيك يقول إن لا علاقة له بالعملية، وفق الإفادات التي تتضمنها وثائق الملف، التي تفيد أنها همت مبلغا ماليا بقيمة 25 ألف درهم، سحبت بواسطة «شيك شباك»، فضلا عن عمليات أخرى بلغ عددها، وفق معلومات الملف، الذي (حصلت «الأخبار» على تفاصيله)، ما يناهز 33 عملية بنكية أجراها المتهم، غير أنه نفى أن يكون قد أشر على الشيكات التي يستخرجها بها، مؤكدا أن رئيس الصندوق (م.ب) هو المكلف بالعملية، بحكم تخصصه، إذ يستخرج فقط وثيقة تسمى «مان 14»، بعد إجرائه العملية عبر الحاسوب، ويطلب من رئيسه في ما بعد التأشير عليه.
موظفون يشكون في بعضهم
وثائق الملف، ومن بينها محاضر الشرطة القضائية، كما أوضحت المحكمة ذلك، أبرزت أن المتهم إلى جانب زميليه الآخرين، وهما (م.ب) و(م.ز)، تسببوا في ضرر مادي كبير لزبون آخر يسمى (م.ي)، الذي اعتبرته المحكمة من بين ضحاياهم، متهمة إياهم باستخراج مبالغ مالية قيمتها ليست بالهينة، ولا يوجد أصحابها في البنك، على أساس أنهم، وفق ما تشير إليه وثائقهم، كانوا يوجدون في الشباك، غير أن الموظف (ز.ي) اعترف ببعضها، فيما دفع عنه تهما متعلقة بعمليات أخرى، مشيرا إلى أن المتهم الثاني (م.ب)، قد يكون سرق منه القن السري الذي يجري به العمليات البنكية في حاسوبه، وفي أحايين أخرى، يطلب منه سحب مبالغ مالية دون حضور زبناء يرغبون فيها، خصوصا أنها تسحب من حساباتهم البنكية، ظنا منه كما صرح أمام المحكمة، أنهم يوجدون لدى المدير في مكتبه، غير أن المحققين واجهوه، أثناء البحث معه، في جلسة مطولة امتدت لساعات، وطلبوا منه تفسير عدم رفضه طلبات مديره الذي كان يطلب منه مبالغ مالية دون حضور أصحابها أمامه، كتلك التي سحبت من الزبون (م.ع)، والتي تبلغ قيمتها 170 ألف درهم، لكنه لم يجب، بمبرر أنه رئيسه في العمل، ولن يستطيع رفض أي طلب منه، رغم أنه شفوي فقط، إذ شدد على أنه يمتثل لكل أوامره، خوفا من أي ردود فعل قد تنهي مستقبله المهني.
حسابان في اسم زوجة (ز.ي) وابنه!
وحتى تعرف المحكمة مآل هذه الأموال الطائلة، التي تسحب من حسابات الزبناء، دون وجه حق، سألت (ز.ي) عن حسابه الخاص وحسابات المقربين منه، والتي أكد أنه هو الذي يسيرها، خصوصا أنها ثلاثة: الأول في ملكيته، والثاني في ملكية زوجته والثالث في اسم ابنه الصغير الذي يبلغ حاليا ثماني سنوات، وتبين أنه كان يضخ فيها كلها مبالغ مالية من حين لآخر، خصوصا في حسابي زوجته وابنه، نافيا أن يكون لديه حساب في الوكالة ذاتها التي يشتغل فيها.
الاتهامات التي لم يستطع (ز.ي) أن ينفيها، بعدما واجهه رئيس الجلسة بأسئلة متعلقة بفائدة فتحه ثلاثة حسابات بنكية، ما دام هو الذي يديرها، ويعمل على متابعتها، جعلته يبلع لسانه، ولم يعرف بماذا يجيب، ففضل السكون لما سألته المحكمة هل فتح حسابين الأول باسم زوجته والثاني باسم ابنه، لجمع الأموال التي كان يحصل عليها؟
ويستفاد من وثائق الملف أن لجنة تدقيق الحسابات، المكونة من مفتشين تابعين للمؤسسة البنكية ذاتها، اكتشفت أن زبونا يدعى (ع.ح.ز)، خصم من رصيده البنكي مبلغ مليون و250 ألف درهم، أقر المتهم الرئيسي، الذي كان مسؤولا بشكل يومي عن مبلغ 10 ملايين درهم يوضع رهن إشارته كل صباح، ويقدم بشأنه ورقة حسابات قبل مغادرته مكتبه، أن أربعة شيكات متعلقة بالمبلغ ذاته، استفاد منها رئيسه في العمل، مشيرا بطريقة اندفاعية وهو في قفص الاتهام، إلى أن رئيسه (م.ب) سرق الملايين، وهي التصريحات ذاتها التي دفعت الهيأة القضائية إلى إعادة استدعائه بمعية زميله (م.ز)، واللذين سيحضران جلسة خاصة بالملف، للاستماع إليهما في هذا الملف الذي بدأت وقائعه في سنة 2008، ولم يتم تفجيره إلا بعد ذلك بأزيد من خمس سنوات.
كان يلتقيهم في البنك فأصبح على موعد معهم في المحكمة
المعطيات التي حصلت عليها «الأخبار»، من قسم جرائم الأموال بمحكمة الاستئناف بالرباط، تشير إلى أن ملفات اتهام موظفين في أبناك بسرقة واختلاس وتبديد أموال منها، كثيرة، وتحال بكثرة على غرفة الجنايات بالمحكمة ذاتها، وغالباً ما تمضي وقتاً طويلاً في مراحل البحث والمحاكمة.
فهذا الملف مثلاً، تلبسي، دخل أول مرة المحكمة في 4/08/2015، وتم تعيين أولى جلساته في اليوم نفسه، والتي تم إرجاؤها إلى 26 من الشهر ذاته. ومنذ ذلك الحين، والملف يراوح مكانه، على الرغم من قطعه أشواطاً مهمة في المناقشة، من خلال الاستماع إلى المتهم الرئيسي، الذي تداولت معه الحكمة في الملف، بكل تفاصيله وعادت معه بشأنه إلى جذوره الأولى، وبالضبط إلى أول يوم وضع فيه قدميه في المؤسسة البنكية، التي انتصبت طرفاً مدنياً في الملف، بعدما أمضى سنين في مؤسستين سابقاً، في بداية مساره المهني، الذي كان فيه الطموح هو محركه الأساسي، قبل أن يجد نفسه محاطاً بحزمة من الاتهامات الثقيلة، باختلاس أموال وسرقتها من أصحابها، الذين لم يكونوا سوى زبناء يتعاملون معه بشكل منتظم، وكانوا يلتقون به في مكتبه المكيف ببنك طنجة، ليجد نفسه على موعد معهم بشكل منتظم أيضاً، لكن هذه المرة في المحكمة، وبالضبط بقسم جرائم الأموال.