لشهرين متتاليين سجلت أسعار المواد الغذائية الأولية انخفاضا عالميا ملحوظا، وذلك بشهادة منظمة الأغذية والزراعة. واليوم نحن بعيدون عن الذروة التي عرفتها أسعار المواد الأولية في الأسواق الدولية خلال مارس 2022. أسعار الزيوت النباتية مشتقات الحليب السكر انخفضت لسابق عهدها، فيما اللحوم والحبوب ظلت أسعارها مستقرة. أسعار البترول بدورها تراجعت في الأسواق الدولية، ومع ذلك عندنا في المغرب “اللي حطيتي عليها يدك تشويك”.
الحكومة “دايرة فيها” بريئة وتقول إن الزيادات سببها الجو البارد، علما أن الزيادات نفسها حدثت السنة الماضية في عز الحر. “شي حاجة مراكباش”، فنحن أكبر مصدر للطماطم ومع ذلك وصل سعرها 12 درهما للكيلو فلماذا لا يتم منع تصديرها حتى يستفيد المواطن المغربي أولا قبل الأوربي؟ وكذلك الشأن بالنسبة لجميع أنواع الخضروات.
هل سنظل نعلق الغلاء في كل شيء على ظهر الحرب في أوكرانيا؟ لدينا بحران ومع ذلك لم يعد أحد يستطيع أن يقتني السمك، ما دخل غلاء أسعار السمك بالحرب في أوكرانيا؟
يقولون إن كلفة الإنتاج بسبب الطاقة ارتفعت، أين ذهب الدعم الذي تصرفه الحكومة للنقل وللقطاعات المتضررة؟
إن ما يحدث يكشف أن الكثير من المواد الغذائية والفلاحية لم ترتفع أسعارها في المغرب بسبب الندرة بل بسبب الشناقة المنتشرين في أسواق الجملة والرحبات، فهؤلاء الوسطاء يشترون السلعة من الفلاحين برخص التراب ويعيدون بيعها بدقة للنيف، والخاسر في العملية هما الفلاح والمستهلك، فيما الرابح هو شخص يستيقظ باكرا ويشتغل ساعة أو ساعتين على الأكثر ويجني كل الأرباح.
وإذا كان هناك من إصلاح إداري يجب أن يتم فهو هذا بالضبط، أي تحرير الأسواق من هذه القوارض التي تلتهم كل شيء.
إن الحلقة الأضعف ضمن منظومة الجشع والريع الذي ينخر قطاع الفلاحة هو الفلاح الصغير الذي لا يستفيد من هذه الزيادات في الأسعار بل يستفيد منها الوسطاء والشناقة، ومحاربة هؤلاء دور الدولة، وهي تعرفهم وتعرف طرق اشتغالهم.
إن محاربة المضاربة والاحتكار والريع لا يجب أن تكون حملة موسمية كلما تغول ارتفاع الأسعار، بل هي عمل يومي دائم يجب أن تقوم به اللجان والجهات المختصة، وهو العمل الذي تتقاضى عنه راتبا شهريا من أموال هؤلاء الذين يكتوون بنار الغلاء.
وقد سمعنا طوال سنوات عن “اللجان المختلطة” التي تخرج لمراقبة الأسواق، لكن بمجرد ما تخبو نار الغلاء قليلا حتى تختفي هذه اللجان وتعود حليمة لعادتها القديمة.
ليس هناك ما هو أخطر على استقرار الدول أكثر من أن يعجز المواطن عن اقتناء حاجياته اليومية الأساسية.
آنذاك لن يصبح عنده ما يخسر ولن يكون حريصا على شيء.