محمد اليوبي
عاد مشروع القانون الجنائي إلى «ثلاجة البرلمان» بعد تقديم ثلاثة فرق برلمانية لطلب تأجيل موعد تقديم التعديلات المقترحة على القانون، وكان آخر أجل حددته لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب لتقديم هذه التعديلات هو يوم الجمعة الماضي، لكن فرق التجمع الدستوري والاتحاد الاشتراكي والحركة الشعبية لم تقدم تعديلاتها وتشبثت بمطلب التأجيل.
وكان هذا القانون قد عاد إلى نقطة الصفر، بعدما قطع أشواطا من المناقشة والدراسة داخل اللجنة البرلمانية منذ سنة 2016، وصلت إلى مرحلة تقديم التعديلات، لكن فرق الأغلبية قررت سحب توقيعها من لائحة التعديلات المقدمة بشكل مشترك، وذلك بعد انقلاب حزب العدالة والتنمية على حلفائه داخل الأغلبية الحكومية، بسحبه لتعديل متوافق عليه حول تجريم الإثراء غير المشروع، وحددت اللجنة موعدا آخر لتقديم التعديلات، انتهى يوم الجمعة الماضي، لكن مرة أخرى طالبت الفرق البرلمانية الثلاثة بتأجيل الموعد، فيما تقدم فريق العدالة والتنمية وفرق المعارضة بتعديلاتها، وبرر فريقا التجمع الدستوري والاتحاد الاشتراكي، طلبهما بتعذر عقد اجتماع للفريقين، بسبب أزمة كورونا، وتزامن ذلك مع عطلة البرلمانيين، فيما برر الفريق الحركي طلبه بمنح مهلة إضافية من أجل التوصل إلى توافق حول التعديلات بين فرق الأغلبية البرلمانية.
وأوضح مصدر حكومي أن قيادة حزب العدالة والتنمية تصر على الهيمنة في تمرير مشرع القانون الجنائي برؤية حزبية ضيقة، ما جعل هذا المشروع يعود إلى نقطة الصفر من جديد، بعد أن تنصل فريق الحزب الذي يقود الحكومة من التعديلات التوافقية ضمن الأغلبية، ما جعل باقي الفرق تنسحب رسميًا من هذا التوافق، وتطلب من رئيس لجنة العدل والتشريع فتح آجال جديدة لإيداع التعديلات. وأضاف المصدر، أنه «في اللحظة التي كان الجميع يترقب توجيه الدعوة لوزير العدل من أجل الحضور إلى اللجنة والشروع في البت في التعديلات المقترحة، يفتعل فريق العدالة والتنمية أزمة داخل فرق الأغلبية من شأنها أن تزج بهذا المشروع في أفق ملتبس».
وكان فريق العدالة والتنمية قد انقلب على حلفائه داخل الأغلبية الحكومية، باتخاذ قرار انفرادي، بسحب التعديلات المقترحة على مشروع القانون الجنائي، المتعلقة بتجريم الإثراء غير المشروع، بعد التوافق عليها، وقرر الفريق سحب التعديل 31 الذي تقدم به بمعية فرق الأغلبية بشأن مشروع قانون رقم 10.16 القاضي بتغيير وتتميم مجموعة القانون الجنائي، والإبقاء على الفرع 4 مكرر المتعلق بـ «الإثراء غير المشروع» كما جاءت به الحكومة في المشروع المذكور، مع تمسك الفريق ببقية التعديلات المقدمة سابقا بمعية فرق الأغلبية.
وتنص الصيغة التي جاءت بها الحكومة في المشروع على أنه «يعد مرتكبا لجريمة الإثراء غير المشروع، ويعاقب بغرامة من 100 ألف إلى مليون درهم كل شخص ملزم بالتصريح الإجباري بالممتلكات طبقا للتشريع الجاري به العمل ثبت بعد توليه للوظيفة أو المهمة أن ذمته المالية، أو ذمة أولاده القاصرين الخاضعين للتصريح عرفت زيادة كبيرة وغير مبررة انطلاقا من التصريح الذي أودعه المعني بالأمر بعد صدور هذا القانون، مقارنة مع مصادر دخله المشروعة، ولم يدل بما يثبت المصدر المشروع لتلك الزيادة، ويجب في حالة الحكم بالإدانة بمصادرة الأموال غير المبررة طبقا للفصل 42 من نفس القانون، والتصريح بعدم الأهلية لمزاولة جميع الوظائف أو المهام العمومية».
وكانت الأغلبية تقدمت بتعديلات مشتركة قبل انقلاب فريق العدالة والتنمية، تنص على ألا يخضع المعنيون للمحاسبة إلا بعد انتهاء مهامهم سواء الإدارية أو الانتدابية، وحصر مهمة المحاسبة في المجلس الأعلى للحسابات، والاقتصار في التصريح بالممتلكات بالنسبة للمعني وأبنائه فقط، دون الأخذ بعين الاعتبار الممتلكات المصرح بها قبل تولي المهمة الإدارية أو الانتدابية، واقترحت مكونات الأغلبية، من خلال التعديلات المقترحة، منح الصلاحيات للمجلس الأعلى للحسابات لكي يثبت تجاوز ما تم التصريح به بعد نهاية المهمة وليس أثناءها، ويجب أن تكون المقارنة مع ما صرح به من دخل انطلاقا من التصريح بالممتلكات الذي أودعه المعني بالأمر، وليس مصادر دخله، واقترح فريق الأصالة والمعاصرة ومعه مجموعه حزب التقدم والاشتراكية، بأن لا تتم المتابعة إلا بناء على تقرير معد من قبل المجلس الأعلى للحسابات في حق الشخص المعني بالأمر.
وتشبث الفريق الاستقلالي بالتعديلات التي قدمها سابقا، حيث يطالب بالتنصيص على عقوبات حبسية في القانون، واقترح الفريق معاقبة مرتكبي جريمة الإثراء غير المشروع، بالسجن من خمس إلى عشر سنوات وبغرامة من 100.000 درهم إلى 1.000.000 درهم، كل شخص كيفما كانت صفته، يعهد إليه في حدود معينة بمباشرة وظيفة أو مهمة ولو مؤقتة بأجر أو بدون أجر ويساهم بذلك في خدمة الدولة أو المصالح العمومية أو الهيئات البلدية أو المؤسسات العمومية أو مصلحة ذات نفع، ثبت بعد توليه للوظيفة أو المهمة أن ذمته المالية أو ذمة أولاده القاصرين الخاضعين للتصريح عرفت زيادة ملحوظة، وغير مبررة، مقارنة مع مصادر دخله المشروع، ولم يدل بما يثبت المصدر المشروع لتلك الزيادة، كما يقترح الفريق، توسيع نطاق الموظفين العموميين المعنيين بهذا الفصل من الملزمين بالتصريح إلى الموظف العمومي وفق تعريف الفصل 224 من مجموعة القانون الجنائي، والحكم بالعقوبة السالبة للحرية أسوة بجرائم الرشوة والحصول على منفعة غير مستحقة من استغلال الوظيفة المنصوص عليها في الفصل 245-1 وكذلك تماشيا مع توصيات الاتفاقية الأممية لمكافحة الفساد والقانون المقارن خاصة الفرنسي.