شوف تشوف

الافتتاحية

في مفترق طرق

سؤال مؤرق يطرحه بإلحاح السياق الجزائري الذي دخل منعطفا صعبا منذ الاستقلال؛ إلى أين تسير الجزائر؟
من الطبيعي في المغرب أن نطرح مثل هذا السؤال، في بلد بدأت تضطرب فيه الأحوال وتختلط فيه الاتجاهات وترتفع فيه درجة المطالب الجذرية ضد النظام السياسي القائم إلى درجة فقدان التوازن وضياع المعالم والتوجّس من المستقبل، مما يؤشر على وضع مفتوح على كل الاحتمالات.
ما تظهره الحالة الجزائرية أن الشعب الجزائري وجزء كبير من طبقته السياسية والإعلامية والنقابية سئموا الاستبداد ويشعرون أنه حان وقت البناء الديمقراطي والتشييد التنموي واللحاق بركب الدول الحديثة، خصوصا وأن بلد المليون شهيد يجلس على آبار من البترول والغاز قادرة على جعله بلدا يحسب له ألف حساب.
صحيح أن النخبة العسكرية المتحكمة في قرار قصر المرادية كان ينبغي أن تشعر بحجم الامتعاض الشعبي وتسن الإصلاحات الحقيقية التي من شأنها تخفيف حالة الاحتقان الاجتماعي. لكن المؤسسة العسكرية فضلت العمل من خلف الكواليس على منع الدخول الحتمي لأي إصلاحات سياسية أو دستورية حتى مع هبوب رياح ما سمي بالربيع العربي وسدت منافذ الأفق في وجه تغيير النخبة الحاكمة ليضطر الشعب للانتفاض في وجه الولاية الخامسة لعبد العزيز بوتفليقة رغم تعهداته بعدم استكمال عهدته والقيام بإصلاحات دستورية وفتح حوار وطني.
واليوم توجد الجزائر في مفترق للطرق وليس أمام شعبها وطبقتها السياسية سوى السير على نهج التوافق وتبني خيار السلمية على الأقل إلى حين تعديل الدستور وتغيير معالم النظام السياسي القائم. فليسوا في حاجة إلى تكرار نسخ تجارب الدول الفاشلة في الانتقال الديمقراطي وإغلاق أبواب مستقبلها وأحلام أهلها، لتسقط في خندق الأيادي السوداء العاملة من وراء الكواليس من أجل جعل الجزائر ممزقة وغارقة في حرب بالوكالة لخدمة مصالح الطغمة العسكرية، أو القوى الغربية وخصوصا فرنسا التي لن تستطيع تجاوز نظرتها الاستعلائية لدول شمال إفريقيا، فهي منطقة مصالح حيوية هامة لباريس، وعليها أن تتابع ذلك الدور المنوط بها، من خلال طبيعة النظام الذي تراه قادرا على حماية مصالحها.
ما تحتاجه الجزائر اليوم هو طبقة سياسية متعقلة تهذب النزوعات الراديكالية التي قد تقود البلاد نحو المجهول، ومؤسسة عسكرية وطنية ومحايدة بعيدة عن تفاصيل الصراع السياسي، رهانها الأساسي إبعاد أشباح العنف المجاني وإراقة الدماء، فهذه هي الوظيفة التي يمكن أن تحقق للمؤسسة العسكرية مكانة فريدة في قلوب مواطنيها وتزرع في قلوبهم الأمن والأمان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى