في لقاء مع الگلاوي.. احتقر الاستقلاليين وقال إنهم لن يحكموا سوى فاس
يونس جنوحي
لم يكن الگلاوي حاضرا خلال زيارتي الأولى إلى مراكش، لكن الآن يمكنني التواصل معه رسميا.
بعد توقف قصير في بوابات القصر، علمتُ أنني صرتُ في حضرته. وهذه الترتيبات كلها كانت مكانة وُسطى بين التأثيرات الشرقية والغربية.
كان من دواعي سروري أن أكتشف أننا جالسان لكي نتحدث بمفردنا، ولم يكن معنا أحد.
لقد سمعتُ أنه، مثل السلطان، كان يصرّ على احترام «البروتوكول»، والاستعانة بمُترجم رغم أنه كان يتحدث الفرنسية.
رغم ذلك، مصافحته لي يدا بيد وتحيته الودية فيهما إشارة إلى أن هذا اللقاء لم يكن مناسبة رسمية.
الباشا كان رجلا مقتصدا في الكلام، لكنه كان معتدلا. بشرته كانت داكنة جدا، يداه كانتا ناعمتين كيدي امرأة، طريقة تعامله لطيفة. كل هذه المواصفات مُضللة لأن سُمعته تقول إنه محارب لا يرحم وزعيم قَبَلي يحافظ على مكانته بقوة شخصيته.
وضعه غير عادي. السلاطين لا يُشجعون على صعود رجال قد يُظهرون منافسة لهم. «فرّق تسُد» كانت سياستهم التقليدية المتبعة.
هناك العشرات من الباشوات والقياد في المغرب، لكن ثلاثة أو أربعة فقط يُعتبرون رجال سلطة حقيقيين، والگلاوي الأكثر أهمية بينهم جميعا.
على الرغم من أننا كنا جالسين في الداخل، إلا أنه كان يضع غطاء جلابته البُنية البسيطة على رأسه.
استقبلني بالطريقة الأمازيغية التقليدية التي تفيض كياسة ولُطفا.
بمجرد ما أن تلعثمتُ في طريقة مخاطبته مُستعملا العبارة التقليدية: «معاليك»، التي كانت بالنسبة لي غير معتادة، قال لي ببساطة:
-«تحدث معي».
هذا التعارف الأقصر كان كافيا لإظهار أن لديه شخصية حقيقية. رجل ذو شخصية حازمة. عدو لدود، لكنه صديق جيد.
قال لي مُعلنا:
-«أنا صديق لبريطانيا. أنا صديق للسيد تشرشل».
أشار بذراعه إلى مجموعة عرض تقديمي من كتب تشرشل، وقال:
-«كيف حاله؟».
-«رأيته في البرلمان قبل أسابيع قليلة. إنه يبدو رائعا، في كامل لياقته وفي أفضل حالاته النفسية».
-«ممتاز. يبدو أنه لا يزال رجلا ممارسا للسياسة».
أثار تعليقه هذا ملاحظة عندما ذهب بنا الحديث لمناقشة «الاستقلال»، وعند الإشارة إلى اسم الحزب لمعت عيناه بغضب لا يخلو من ازدراء.
قُلتُ له:
-«عندما كنتُ في الجبال تحدثتُ إلى مُزارع، سألتُه ما رأيه في حزب الاستقلال؟ تماما كما سألتُ الجميع، فأجابني: الاستقلال، الاستقلال.. أوه، تقصدُ أولئك الناس الذين يتحدثون في المُدن!».
انفجرت كلمات الگلاوي:
-«لقد أحسن القول!».
بدون شك، لو كان المُزارع حاضرا، فإن الگلاوي كان ليُظهر تصرفا إحسانيا تُجاهه.
قال:
-«المغرب يريد العمل والتفكير السليم، وليس الكلام. هؤلاء الناس لا يُمثلون سوى أنفسهم. ليس لديهم أي قائد عظيم، وهذا أمر أساسي في المغرب. الآن لو كان لديهم تشرشل..»..
تدخلتُ بمكر:
-«.. أو گلاوي..».
قال مُبتسما:
-«نعم، أو حتى گلاوي. لكن ليس لديهم أحد. إنهم ليسوا متفقين حتى في ما بينهم، لكن إذا استمروا في مخططاتهم المجنونة، سيكتشفون أن لدينا الكثير من الأصدقاء. ليس هنا فقط وفي سوس، لكن في الشمال، بل وحتى في فاس نفسها. نعم، أؤكد لهم أنهم يواجهون أمرا ما، لكن أنت رحّالة، لا بد وأنك رأيت أمورا مثل هذه من قبل».
-«نعم. في بورما..».
-«آه، تأمل الارتباك الواقع هناك، مع دزينة الأحزاب التي تدّعي أنها تحظى بالزعامة. لا، إذا كان هذا الـ«حزب الاستقلال» انفصل، فإنهم لن يُصبحوا أسياد المغرب، بل بالكاد سيصبحون أسياد فاس، لكنهم نكرات».
بهذا الكلام يكون الگلاوي قد قلل من شأن معارضيه، وهذا خطأ، لكن، يا له من خطأ جسيم – وهو فشل عصري مشترَك- أن تتم المبالغة في تقدير قوة عدو ما.