شوف تشوف

الافتتاحيةالرئيسيةسياسية

فيروس الغش

من أخطر ما يمكن أن يصيب المجتمع التطبيع مع ظاهرة الغش، واعتبارها وسيلة لتحقيق الأحلام والحصول على المال والمنصب وجني الربح السريع، والأخطر من ذلك البحث عن مبررات لجريمة الغش، وتحولها من فيروس يجب القضاء عليه وتشكيل مناعة مجتمعية قوية لمحاربته، إلى مرض يتم التعايش معه وإيجاد الأعذار للغشاشين رغم النصوص القانونية التي تجرم الفعل والعقوبات التي ينالها الغشاش في الدنيا وحسابه في الآخرة.

لقد انتشرت ظاهرة الغش في الصفقات العمومية ومشاريع الطرق والبنيات التحتية، فضلا عن الغش في القطاع الخاص وما يقدمه من الخدمات والمهن والسلع التجارية وتزوير الماركات العالمية المسجلة، حتى أصبح الزبون يحتار في أمره في اختيار الأنسب والأجود عند حاجته لخدمات أو شراء منتوجات، وذلك راجع لانتشار الجشع واللهث خلف الربح السريع وتدني الوازع الديني والأخلاقي والإفلات من العقاب القانوني بسبب الفساد والتحايل على القانون، وارتباك عمل لجان المراقبة الخاصة بكل قطاع.

إننا أمام تلاميذ وطلبة أيضا يعتبرون الغش حقا مكتسبا، ويدافعون عن استمرار الظاهرة الخطيرة في الامتحانات والمباريات الخاصة بالتوظيف، ويجتهدون في اختراع آلات وتقنيات تساعد على الغش وحيل وأساليب خبيثة ومجهودات كان الأجدى استغلالها في الاتجاه الإيجابي وترسيخ تكافؤ الفرص والتنافس الشريف في طلب العلم، لكن عندما تغيب التربية على القيم النبيلة كأساس سليم لبناء الأجيال وتغيب معها القدوة، يمكن توقع أي شيء من أجيال هائمة على وجهها لا تعرف أين تسير في هذا العالم المادي حد الوحشية.

إن تأثير ظاهرة الغش في كافة مناحي الحياة يمتد إلى تهديد صحة وسلامة الناس وضرب التنمية وتكافؤ الفرص والظلم وتخريب الاقتصاد الوطني، وفقدان ثقة المواطن الزبون في المنتوجات بأنواعها والصناعة وفقدان الشهادات الجامعية والدبلومات لقيمتها العلمية والمهنية، ما يستحيل معه بناء مجتمع متماسك بموارد بشرية تساهم في تقدم وازدهار البلاد.

هناك العديد من القوانين التي تنص على زجر الغش وعقوبات سجنية للمتورطين، لكن، كما هو الشأن بالنسبة لكافة القوانين، لابد من تشريعات حديثة تواكب التحولات المجتمعية، وإلى جانبها يجب العمل على التربية داخل المؤسسات التعليمية وإدراج التربية على القيم النبيلة داخل المقررات الدراسية، مع العمل على محاربة الغش وفق الصرامة المطلوبة في جميع القطاعات مهما كانت الجهات المتورطة، وإحياء الوازع الديني في النفوس والتنبيه لخطر ظاهرة الغش التي قال فيها الرسول صلى الله عليه وسلم «من غشنا فليس منا».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى