فلسفة الشر والخير في العالم (1)
بقلم: خالص جلبي
لعله ليس من كتاب وفيلسوف إلا وبحث المسألة، وأذكر جيدا أول تعرض لها حين قرأت ما كتب العقاد، وموسوعته كاملة هي في مكتبتي مع موسوعة طه حسين. وماركس كتب عن بؤس الفلسفة، واختار القرآن أن يوظف الفكرة بقوله: «ونبلوكم بالشر والخير فتنة»، هنا نرى أن الخير أيضا فتنة وابتلاء. ومع كتابة هذه الأسطر، نرى الجنون والخوف يسري في مفاصل العالم من حرق للمسلمين في الهند، أو تفشي فيروس الكورونا في العالم، إلى درجة ارتفاع شبهة أنه سلاح بيولوجي ضد الصين. وصديقي من البحرين، أحمد علي، أرسل إلي هذه الرسالة، التي تحكي الظلام في العالم أعرضها على القارئ ليتملاها:
عزيزي الدكتور خالص بعد التحية. من وحي المراسلات النصية التي حدثت بيننا، أخيرا، عن طريق «الواتساب»، وددت ان أشاركك البعض من تواتر الأفكار عن عبثية الوجود لدي، راجيا أن أكون قد أصبت بعض الحقيقة بتلك الأفكار المقلقة. ولكم مني خالص الحب والتقدير والاحترام.
في البدء كانت الكذبة (الكلمة) بالعهد القديم، فاختارت قبيلة من البشر الساميين (نسبة لسام ابن نوح) لنفسها بأن تكون شعب الله المختار دون غيرها من خلق الله، حتى أختلف القوم في نبيّهم الجديد والذي سّن من بعده للعهد الجديد. ومضت السنون حتى آمنت طائفة منهم (الإنجيليون) بعودة نبيهم المسيح إلى الأرض المغصوبة دماً، لكي تتحقق نبوءتهم أو أكذوبتهم الكبرى لا فرق. تمثل طائفة الإنجيليين الجدد، والتي تؤمن أغلظ الإيمان بعودة المسيح إلى الأرض الموعودة بفلسطين، حسب مجلة «الإيكونوميست» 25 في المائة من الأصوات النشطة في الانتخابات الأمريكية، ولهذا يحاول جميع الناخبين في الانتخابات الأمريكية كسب ود الطائفة الإنجيلية (والتي خرجت من رحمها الصهيونية ببريطانيا في القرن العشرين) بصورة خاصة، والكنائس بصورة عامة، لحضورهم الفاعل بالانتخابات. وتلتقي الطائفة الإنجيلية سياسيا باليمين الأمريكي المحافظ، ممثلا بالإدارة الحالية من الإنجيليين في وزير الخارجية بومبيو، جون بولتون، مستشار الأمن القومي وكبيرهم الذي علّمهم الكذب، مايك بنس، نائب الرئيس، وما كان لقاء نتنياهو الأخير بالرئيس الإنجيلي البرازيلي المنتخب بولسونارو، إلا دلالة واضحة على نفوذ الإنجيليين بالسياسة الأمريكية .حكمت المحكمة الأمريكية العليا منذ بضع سنين، وقالت كلمتها الأخيرة برفضها الدعوة المقدمة من قبل بعض المواطنين الأمريكيين بحقهم، في مطالبة المدارس العامة بإدراج قصة الخلق التوراتية كنظرية محتملة للخلق، في مواجهة مناصري نظرية النشوء والارتقاء الداروينية، الذين كانوا يرمون مخالفيهم بالإيمان بالأساطير. وفي نص الحكم أفتت المحكمة بعدم جدارة قصة الخلق التوراتية كنظرية محتملة، لافتقادها للوجاهة أو المعايير العلمية، كي تؤخذ بها جديا لتدرس بها الأطفال بالمدارس.
وأُتهمت أخيرا نائبة مسلمة بالكونغرس بمعاداتها للسامية، (وذلك يعني حصرا انتقاد الصهيونية أو إسرائيل)، وذلك لانتقادها الأيباكIPAC ، أو American Israel Public AffairsCommittee
المعروفة بتشددها بمناصرة إسرائيل، ولدورها المتنامي المرعب واللامحدود، ولو كانت على حساب مصالح أمريكا نفسها، وسطوتها إرهابا بنفوذها بالسياسة الأمريكية. وللتذكير فقط بأن السامية تاريخيا، هي القبائل التي عاشت أو هاجرت من المنطقة الواقعة بغرب آسيا إلى المشرق العربي بصفة عامة، ولا تعني تحديدا إسرائيل الحالية، وهذه مغالطة إعلامية غربية مقصودة لتزييف الوعي، بأن لم تكن هناك شعوب أو أعراق أخرى كالعرب على سبيل المثال تسكن فلسطين، عدا الشعب المختار.
أمريكا العلمانية تفتك بالناس وتهلك الحرث والنسل بمنطقة الشرق الأوسط، على أساس أسطورة دينية في كتاب مقدس للبعض من البشر، بحق إسرائيل في الوجود وحدودها من النحر إلى النحر، لا تأخذ إيمان مواطنيها بالكتاب المقدس نفسه وقصة الخلق بجدية، ولكن تأخذ بجدية لا متناهية قصة المسيح الموعود المذكورة بالكتاب ذاته، والتي محاكمها وصمتها منذ بضع سنين بصورة غير مباشرة بأساطير الأولين، والتي على أساسها هي تعيث بالأرض فسادا بلا حدود !
أي أكذوبة وعبثية وسخافة أكبر من تلك التي نعيشها نحن، في عصر نسخ الجينوم والذكاء الاصطناعي الذي ابتكره الرجل الأبيض بالغرب، ليستعيروا منا أسطورة دينية ولدت لدينا في الشرق، ليقتلوا بًنا بها كيفما ومتى ما شاؤوا !
وجوابي عن فلسفة الشر والخير في العالم أعرضه على الشكل التالي: «ليس هناك من شر في العالم. هات لي أي شيء وسوف أحوله لك بعصا هرمز إلى خير. كل ما في العالم خير، بما فيه الفقر والمرض والعوز والألم والموت»، هذا ما قاله الفيلسوف الرواقي في القرن الثاني للميلاد. ويمكن تطبيق هذا القانون على كل شيء، بما فيه الاحتلال الأمريكي للعراق. تدخل المنطقة الحقبة الأمريكية، وينقسم الناس إلى فريقين من يرى في أمريكا استعمارا جديدا، ومن يرى أنها فاتحة الديموقراطية. وهذه الرؤية (الحدية) ضارة، لأنها تنبعث من خطأ منهجي أن الألوان ليس فيها سوى أبيض وأسود، وأن الكون مركب على الثنائية. أو عندما نقول عن الشيء إنه حار وبارد وساكن ومتحرك وحامض وقلوي، فنمارس خطأ علميا من حيث لا ندري. ومنبع الخطأ يأتي من تصور أنفسنا مركزا للقياس ومحورا للكون. ولم يقع العلم في خطأ أفدح من تصوره أن الأرض مركز العالم، وكل من حولها يدور في حلقات دائرية مكتملة، كما تصور ذلك أرسطو أن الدائرة صورة الكمال. حتى تبين أن رؤية بطليموس لا تزيد عن وهم، وأن الأرض ليست مركز الكون وأن الدوران ليس على شكل دائرة، بل على شكل إهليلجي بما فيه دوران الإلكترون حول البروتون في قلب الذرة، كما كشفها (سومر فيلد). وما ينطبق على الفلك يصح على الفيزياء والضوء، ليس أسود وأبيض، بل هو طيف متدرج من الألوان بين الأحمر والأزرق استطاع نيوتن تحليله بموشور زجاجي.