بشير البكر
فضيحة تهريب ومتاجرة غير مشروعة بالآثار في باريس، بطلها المدير السابق لمتحف اللوفر جان لوك مارتينيز، وسفير التعاون الدولي في مجال التراث بوزارة الثقافة الفرنسية، قبل أن يجرد من وظيفته، الأسبوع قبل الماضي، ويخضع للتحقيق مع مجموعة من مساعديه السابقين، وشخصيات تعمل بتجارة الفن والآثار بالعاصمة الفرنسية. وللقضية امتدادات مصرية إماراتية أمريكية حتى الآن، غير أن المؤشرات توحي بأنها مرشحة لأن تذهب نحو بلدان أخرى، منها سوريا، العراق، اليمن، ليبيا، في حال جرى التوسع في التحقيق ليشمل عمليات التهريب التي جرت في العقد الأخير، وهو ما يتطلب توفر عزيمة سياسية على فتح هذا الملف الذي يرجع بعيدا في الماضي، وهو على درجة عالية من التشعب والتعقيد، ذلك أن سرقة الممتلكات التراثية لا تقتصر أحيانا على بضعة موظفين فاسدين، بل تتورط فيها أطراف ذات صفة رسمية، لا تتعرض، في أغلب الأحيان، للمساءلة بسبب تدخلات من أطراف دولية مؤثرة. ويبدو أن تحرك باريس السريع مرده أن القضية تمس سمعة أحد أهم معالمها الثقافية، ما يبعث الأمل في أن تكون بداية تحرك دولي جاد لمواجهة هذه الظاهرة.
تقول تفاصيل الفضيحة التي تحقق فيها السلطات الفرنسية إنه يُشتبه في أن مارتينيز «غض الطرف» عن شهادات مزورة لقطع أثرية، بينها شاهد من الغرانيت الوردي ضخم وسليم ومختوم بالختم الملكي لتوت عنخ آمون، الفرعون الـ11 من الأسرة الـ18 لمصر القديمة، جرى تهريبه خلال الثورة ضد نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك في عام 2011.
وأفاد التحقيق الدولي الذي أجرته فرق أمريكية وفرنسية وألمانية ومصرية بأن التابوت سُرق من مصر عام 2011. ويتهم قاضي التحقيق الفرنسي مارتينيز بـ«غسل الأموال والتواطؤ بالاحتيال مع عصابة منظمة»، ويشتبه في «علاقته بتهريب الآثار منذ سنوات من الشرق الأدنى والأوسط، وبيعها تحديدا إلى متحف متروبوليتان للفنون بنيويورك، ومتحف اللوفر بأبو ظبي».
وسبق ذلك توجيه لائحة اتهام إلى تاجر ألماني وجامع مقتنيات ومالك معرض فرنسي (بيير بيرجي). ويُشتبه في تهريبهم قطعا أثرية نُهبت من دول عربية عاشت أحداث الربيع العربي، كسوريا واليمن وليبيا. ومؤكد لدى منظمة اليونسكو أن أكثر الدول التي تعرضت لعمليات نهب للآثار هي العراق وسوريا.
وبعد الاحتلال الأمريكي للعراق في عام 2003، حصلت عمليات نهب واسعة للآثار التي جرى بيع بعضها في مزادات علنية في إسرائيل، وقدر عالم الآثار جون روس الممتلكات التي سُرقت من العراق، من مارس 2003 إلى أوائل عام 2005، ما بين 400 إلى 600 ألف قطعة أثرية، تقدر قيمتها بين 10 ملايين و20 مليون دولار. وكذلك الأمر في سوريا التي واجهت مصيرا مشابها للعراق منذ عام 2011، وجرت سرقة عشرات آلاف القطع الأثرية، حسب تقارير اليونسكو. وعلى الرغم من إنكار تسويق قطع أثرية من سوريا والعراق، إلا أنه عُثِر على بعضها في كل من بلغاريا والمجر وسلوفينيا وفرنسا. وكشف عالما الآثار مارك الطويل وديفيد جيل، في صحيفة «الغارديان» في يوليوز 2015، أنه تم إيقاف قطع أثرية واردة من مناطق النزاعات، وعُرضت في السوق البريطانية، بعد ترويجها بالإعلانات التسويقية.