يعيش مئات الطلبة في المدارس العليا للمهندسين بالمغرب توترا كبيرا بسبب هيمنة الأجندات الزمنية للمدارس العليا الفرنسية على تلك الخاصة بنظيراتها المغربية. فإلى جانب أن مباريات المدارس العليا الفرنسية تكون مبرمجة قبل المباريات المغربية، وهو ما يحرم المغرب من أجود التلاميذ الذين يفضلون فرنسا على المغرب، فإن الذين اختاروا الدراسة في المدارس المغربية مضطرون لانتظار نتائج الحركية التي يتم تنظيمها لتحسين اختياراتهم، وهو ما لم يتم إلى الآن رغم انتهاء شهر شتنبر خلافا للمعتاد. هذا الوضع دفع مدارس عليا وجامعات خاصة إلى فك الارتباط بالأقسام التحضيرية وتأسيس مسالك داخلية خاصة بها.
الهيمنة الفرنسية مستمرة
تعتبر الاقسام التحضيرية للمدارس العليا من أهم التكوينات التي تهيئ تلميذات وتلاميذ هذه الأقسام لاجتياز المباراة الوطنية المشتركة والمباراة الفرنسية (مباريات المدارس العليا الفرنسية)، والتي من خلالها يمكن ولوج كليات ومدارس ومعاهد عليا مغربية أو فرنسية، إلى جانب المدارس والمعاهد العليا التي تتوفر على أقسام تحضيرية مدمجة بداخلها، على غرار المدارس الوطنية للعلوم التطبيقية والمدرسة الوطنية للفنون والمهن والجامعات الخاصة.
فرغم محاولات النظام التعليمي المغربي التخلص من الهيمنة الفرنسية، وخاصة في المناهج ولغات التدريس وبعض الاختيارات التنظيمية الخاصة بالتدبير، فإن الأقسام التحضيرية ماتزال قلعة فرنسية بامتياز، ليس فقط بحكم التاريخ، ولكن بسبب أن المباريات الوطنية للأقسام التحضيرية وكذا مباريات المدارس لا يتم اتخاذ القرار بشأنها إلا بالقياس للمباريات الفرنسية، الأمر الذي يفرض انتظارية تؤدي بالتلاميذ أحيانا إلى القيام باختيارات غير منصفة لهم.
هكذا تؤكد مصادر أنه تم تسجيل تأخر في إعلان النتائج بينما فرنسا تعلن النتائج مبكرا وتختار أجود العناصر من المغرب، وبعد النتائج تأتي مرحلة الحركية ودائما تبادر فرنسا وتتأخر المؤسسة المنظمة للمباراة.
وأكدت المصادر ذاتها أنه، إلى حدود الأسبوع الماضي لم يلتحق الطلبة المغاربة بفرنسا بشكل نهائي، ناهيك عن أن العديد من المقاعد بالمدارس والمعاهد المغربية تبقى فارغة لأنها لا تنظم حركية بعد عملية التسجيل الفعلي لكونها تكتفي بالمصادقة التي لا يقوم بها أكثر الطلبة الملتحقين بفرنسا على عكس فرنسا التي تجري حركية بعد التسجيل الفعلي مما يحرم العديد من الطلبة المغاربة من تحسين اختياراتهم.
ففي وقت يكثر الحديث عن مبادرة التكوين السنوي لعشرة آلاف مهندس وما يماثله، وفتح باب الاستثمار الخاص على مصراعيه في مجال التكوين الهندسي، ظلت الأقسام التحضيرية المغربية الطرف المنسي والحلقة الأضعف في هذا المسار. فبالرغم من أنها تشكل مفخرة التعليم العالي الهندسي بالمغرب، منذ إحداثها سنة 1986، وذلك بتوفيرها للطواقم البشرية الضرورية للمدارس العليا ولتكوين مهندسي المستقبل عبر مواكبة المتطلبات الوطنية من الأطر الهندسية اللازمة لمختلف الميادين والأوراش والمشاريع، إلا أن هذا الميدان يعرف العديد من الاختلالات التي تراكمت عبر السنوات. وبالرغم من تشعب هذه الاختلالات وتعددها، إلا أنه يمكن إجمالها في صنفين، صنف يتعلق بظروف التكوين والإمكانيات المادية المرصودة له، وصنف مرتبط بغياب البوصلة والاستراتيجية الناظمة لهذه المنظومة التعليمية.
مشكلات بنيوية
على مستوى التوجه العام للتكوين، تؤكد مصادر، هناك غياب للجنة دائمة وقارة تضم مختلف المهتمين، حيث يظل التكوين بالأقسام التحضيرية مركبة بلا قائد ولا بوصلة. ذلك أن هذا التكوين لا يخضع بالضرورة وبشكل ملموس إلى التقييم والنقد وإعادة التوجيه اللازم وفق المعطيات الموضوعية والغايات المعرفية. وفي هذا الصدد يمكن تسجيل النقاط التالية:
فقدان الأقسام التحضيرية لتميزها كوسيلة وحيدة لولوج مدارس المهندسين، وذلك عبر 52 مركزا للتكوين بين العمومي والخاص موزعة على 20 مدينة، خاصة بعد تعدد المسارات المفضية إلى «شهادة في الهندسة « عبر الأقسام التحضيرية المندمجة وغيرها من المسالك، مما يفرض إعادة النظر في دور هذه الأقسام التحضيرية وأهدافها أو جدواها.
يضاف إلى كل هذا فقدان التكوين في هذه الأقسام لجانب أساسي ومحوري فيه، يتجلى في غياب الاختبارات الشفوية الأسبوعية. فبالرغم من التنصيص عليها في برنامج التكوين (مثلا: 0.5 ساعة أسبوعيا في مادة الرياضيات ونفسها في الفيزياء على مدى سنتين في شعبة رياضيات فيزياء)، إلا أن هذه الحصص لم تجر منذ سنوات عديدة بسبب مقاطعة الأساتذة، مما يشكل نقصا فادحا وفاضحا في مسار التكوين والتأهيل. والأنكى من ذلك أن هذه الوضعية غدت مسألة عادية لم تثر قلق الجهات المسؤولة أو تخوفها ولم تدفعها إلى ضرورة إيجاد الحلول المناسبة لها.
ثم افتقاد المباراة الوطنية المشتركة لأهم عنصر فيها والغاية الأساسية منها، وهو ترتيب الطلبة حسب قدراتهم وإمكانياتهم في المواد العلمية. ذلك أنه في العديد من الحالات أصبحت المواد الأدبية واللغات هي التي تحدد الفرق بين الطلبة أمام امتحانات علمية لا تسمح بفرز الجزء الأكبر من المتبارين.
ثم أخيرا غياب المنهجية في الامتحانات على غرار النموذج الفرنسي، ذلك أن في المدارس الفرنسية هناك معايير واضحة في صياغة مواضيع ومسائل الاختبارات، حيث تعتمد منهجية تقسم الاختبار إلى نسب محددة تتعلق بفهم القواعد الأساسية وأخرى بفهم الأمثلة وجزء متدرج يختبر إمكانيات الطالب في التحليل والتفكير، مما يسمح بالوصول إلى ترتيب موضوعي وعلمي لقدرات الطلبة. فضلا عن أن المباريات الفرنسية تعتمد منهجية تساعد الطلاب على التحضير وتقلص دور الصدفة.
يذكر أن نتائج امتحان القبول لولوج مدرسة البوليتكنيك، أشهر مدارس الهندسة في فرنسا، كشفت عن تفوق مغربي كبير. وأعلنت السفارة الفرنسية بالمغرب أن 54 طالبًا مغربيًا اجتازوا الاختبارات الكتابية في البوليتكنيك هذه السنة. وحسب مداولات لجنة الاختبارات، فإن الطلبة المغاربة تربعوا على عرش المقبولين لولوج الأقسام التحضيرية للمدارس العليا. ويشكل الطلاب المغاربة أول جالية تأتي للدراسة في فرنسا، فيما تعتبر مدرسة البوليتكنيك من المدارس التي تجذب المغاربة بشكل كبير.
//////////////////////////////////
عن كثب:
«الإبهار» والاجترار
نافذة:
كل المسؤولين في الوزارة مقتنعون بأنهم فوتوا فرصة النظام الأساسي لتطويع المدرسين بأسلوب العصا والجزرة بدليل منع المضربين من حضور المنتدى
خلف النوايا المعبر عنها من طرف منظمي منتدى المدرس حقائق كثيرة مخفية، أهمها أن فشل كل مخططات الإصلاح إنما يعود للمدرسين، ثم إن كل محاولات تعبئتهم في الإصلاح فشلت، فتقرر تجريب الحزم في النسخة الأولى للنظام الأساسي لإجبارهم على ذلك، وبسبب تبعات هذه النسخة والإضرابات غير المسبوقة التي عرفها القطاع، ولدت قناعة أخرى لدى متخذي القرار بأن النسخة المعتمدة في هذا النظام «فاشلة» وليست «مبهرة» كما تعتقد النقابات، ولن تحقق هدف إجبار المدرسين على التعبئة من أجل مؤسسات الريادة، بدليل إقصاء كل المشاركين في الإضراب من المنتدى.
هكذا ظهرت منذ عقدين قناعة عند متخذي القرار التعليمي هي أن رجال التعليم في المؤسسات التعليمية يتحملون مسؤولية أزمة القطاع، فقيل عنهم «كسالى ومتهربون من أداء الواجب»، و«يضربون مع كل النقابات»، و«لا يقومون بأي مجهود من أجل تكوينهم الذاتي»، و«يبتزون التلاميذ في الساعات الإضافية المؤدى عنها»، و«يهدرون الزمن المدرسي بالتأخرات والشواهد الطبية»، فظهرت حينها أرقام تتحدث عن هدر عشرات الملايين من الساعات. ليتم تغليف هذه «القناعة» بعناوين تدبيرية لتخفيف وقعها، من قبيل «تعبئة رجال التعليم لإنجاح الإصلاح».
لذلك حطمت لطيفة العبيدة ما بين 2009 و2011 الرقم القياسي في عدد المذكرات الموجهة لهذه الفئة، وتم تنصيب مئات المجالس التأديبية، بتهمة الإخلال بالواجب، وحينها بدأ ما يتم الحديث عنه الآن في النظام الأساسي، ونقصد ربط الترقيات بالأداء والمردودية المهنيين، ولسان حال متخذي القرار يقول «لا راحة لكم ولا سعادة حتى تنضبطوا».
ما لوحظ أن كل الوزراء اللاحقين كانت لديهم القناعة ذاتها، لذلك عاشوا وفق ازدواجية صارخة، وهي أن التعليم قطاع استراتيجي في مقابل أن «المعلمين غير مؤهلين»، وينبغي إجبارهم على ذلك. فرأينا الراحل محمد الوفا يقوم بزيارات مفاجئة للمؤسسات التعليمية، وبعده بلمختار يرفض إدماج أساتذة فوج «الكرامة» لأنهم احتجوا. وكان من تجليات ذلك أيضا اعتماد التعاقد في صيغته الأولى، أي سنة 2016، والغرض من الهشاشة المهنية، التي طبعت هذا النوع من التوظيف، هو إجبار المدرسين على الالتزام أكثر وعلى رفع مردوديتهم، ليس بالتحفيز ولكن بالتخويف، أي الخوف من فقدان الوظيفة.
ولا أحد من المسؤولين الكبار يستطيع نفي هذه الحقيقة.
فشل هذه الخطة أجبر متخذي القرار على تعديل بوصلتهم نحو الجهوية، والنتيجة خلق نمطين من التوظيف المركزي والجهوي دون أن تكون هناك فائدة عملية لهاتين الصيغتين، لأن الجهوية، وفي مجال التعليم تحديدا بقيت في حدود مسألة التوظيف، بينما المجالات الأخرى الأكثر أهمية، كعلى غرار المناهج والامتحانات والتوجيه المدرسي تدبر مركزيا، بل بأسوأ أساليب التمركز.
هذا التشخيص، المتمثل في تحميل نساء ورجال التعليم مسؤولية فشل الإصلاحات السابقة، لم يبق في حدود الكلام الشخصي بين المسؤولين الكبار بل تم تضمينه في تقارير كثيرة صدرت على مدار السنوات الماضية من المجلس الأعلى للتربية والتكوين. والطريقة التي يتم بها تدبير المسارات المهنية لنساء ورجال التعليم على مستوى الأكاديميات والمديريات الإقليمية خير دليل على أن هذا التشخيص أضحى معتقدا وليس فقط قناعة. طريقة عنوانها «خدم ولا سير بحالك»، وما مَرْكَزَة ورَقمَنة متابعة الغيابات وسلاسة عمليات الاقتطاع من الرواتب بشكل فوري إلا دليل على ما نتحدث عنه الآن.
//////////////////////////////////////////////////////////////////
رقم:
6
أعلنت الجامعة الدولية بالرباط عن إدراج 6 من باحثيها ضمن أفضل 2% من العلماء عالميًا لعام 2024، وفقًا لتصنيف جامعة ستانفورد. ويتعلق الأمر بكل من منير غوغو، أسماء برادة، محمد بالي، سعيد أحزي، أمين بلهادي وفؤاد سعداوي. وبدورها أعلنت الجامعة الأورومتوسطية بفاس أن التصنيف العالمي اختار أربعة من أساتذتها ضمن الأفضل في العالم.
ويتعلق الأمر بكل من مصطفى بومينا، رئيس جامعة أوروميد بفاس، والأستاذ بلخير حموتي، والأستاذ عبد الكريم الكاديب، أستاذ باحث بجامعة أوروميد بفاس والأستاذ شكيب النجاري، نائب الرئيس المسؤول عن قسم الصحة.
وتستخدم جامعة ستانفورد قاعدة البيانات Scopus التابعة للناشر العالمي Elsevier لاستخراج مؤشرات متنوعة بهذه القائمة، منها النشر العلمي العالمي وعدد الاستشهادات، ومؤشر H والتأليف المشترك، وصولًا إلى مؤشر الاقتباس المركب، ويذكر أن هذه القائمة تضم علماء من مختلف بلدان العالم في 22 مجالًا علميًا متنوعا و176 تخصصًا فرعيًا.
////////////////////////////////////////////////////////////////////
تقرير:
ردا على التشكيك في مؤسسات الريادة.. الوزارة تنشر دراسة حول نجاحها
تؤكد أن المشروع حقق أثرا مهما على تعلمات التلاميذ
في الوقت الذي تتعالى فيه الأصوات المشككة في فعالية مشروع مؤسسات الريادة، أكدت وزارة التربية الوطنية أن دراسة حديثة أثبتت بأن مدارس الريادة لها آثار إيجابية وملموسة على التلاميذ مقارنة بنظرائهم في المدارس غير المنخرطة في المشروع، خصوصا في ما يتعلق بمواد الفرنسية والعربية والرياضيات.
التشكيك مقابل الترحيب
شكك كثيرون بحديث وزير التربية الوطنية عن نجاح مشروع مؤسسات الريادة، خصوصا وأن ملامسة الآثار الإيجابية لأي مشروع تربوي تحتاج لزمن أطول من سنة، وهي المدة التي تم الشروع فيها في تنزيل هذا المشروع.
هذا التشكيك ردت عليه الوزارة بالإعلان عن نتائج دراسة قام بها مختبر المغرب للابتكار والتقييم، وهو ثمرة تعاون بين جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية، و«معمل عبد اللطيف جميل لمكافحة الفقر» التابع لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، ومؤسسة هارفارد للتنمية الدولية، ومجتمع جميل.
وأوضحت الوزارة أن «نتائج السنة الأولى من تجريب نموذج «مدارس الريادة» في 626 مدرسة ابتدائية عبر ربوع المملكة، خلال الموسم الدراسي 2023/2024، أظهرت الأثر الملموس المحقق على مستوى تعلمات التلميذات والتلاميذ، وهو ما يجعل الخيارات التي اعتمدتها بلادنا ضمن أفضل 1 في المائة من حيث التقدم في مجال التعلم في فئة الدول المماثلة».
وأبرز المصدر ذاته أن «المشروع حقق أثرا مهما على تعلمات التلميذات والتلاميذ، إذ تحسن مستوى التعلمات بمقدار 0,9 من الانحراف المعياري (écart-type) في جميع المواد المدرسة»، مضيفا أن «التلميذ المتوسط في «مدرسة الريادة» يحقق أداء أفضل من 82 في المائة من التلاميذ في مجموعة المقارنة.
أزمة جودة التعلمات
تابع المصدر أنه «تمت ملاحظة الأثر الأكثر أهمية في اللغة الفرنسية والرياضيات، إذ يتجاوز مستوى التلميذ المتوسط في «مدرسة الريادة»، حاليا، حوالي 90 في المائة في مادة اللغة الفرنسية وحوالي 82 في المائة في الرياضيات، بالنسبة للتلاميذ في مجموعة المقارنة».
أما بالنسبة للغة العربية، فأشارت الوزارة إلى أن التلميذ المتوسط في «مدرسة الريادة» يتفوق على حوالي 69 في المائة من التلاميذ في فئة الدول المماثلة، مبرزة أن البرنامج ساهم في الارتقاء بمستوى تعلمات التلميذات والتلاميذ في مجالات متعددة، بما في ذلك القراءة والعديد من الجوانب المتعلقة بمادة الرياضيات. وأكدت الوزارة أن نموذج «مؤسسات الريادة» تم إعداده وفق مقاربة متعددة الأبعاد تغطي المحاور الثلاثة لخارطة الطريق 2022- 2026، وهي: التلميذ والأستاذ والمؤسسة التعليمية.
وتشمل المحاور الرئيسية لهذا النموذج، بحسب المصدر ذاته، «منهجية تعليمية منظمة ومعالجة التعثرات حسب مستوى تعلمات التلميذات والتلاميذ. كما تتضمن مكونات أخرى كمفهوم الأستاذ(ة) المتخصص(ة) في تدريس اللغة العربية، والفرنسية والرياضيات، إضافة إلى الاعتراف بالمجهودات التي تبذلها المؤسسات المنخرطة بنجاح في البرنامج من خلال نظام «علامة الجودة».
يذكر أن «مختبر المغرب للابتكار والتقييم» مبادرة مشتركة مع جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية، و«معمل عبد اللطيف جميل لمكافحة الفقر» التابع لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا ومؤسسة هارفارد للتنمية الدولية.