فتيحة شتاتو: الابتزاز الجنسي.. محاولة أولية لفهم الظاهرة
ظل مصطلح الابتزاز الجنسي وإلى وقت قريب مجهولا داخل الحقل المعرفي والحقوقي الوطني، بحيث يلاحظ عدم وجود أي نص قانوني يتطرق بشكل واضح إلى تجريم هذا الفعل، لكن في الآونة الأخيرة بدأ هذا المصطلح في الانتشار بشكل كبير بفضل الإعلام، الذي بدأ يتناقل بين الفينة والأخرى حالات يفرض فيها على النساء للحصول على خدمات عمومية تقديم تنازل، والخضوع إلى المساومة الجنسية، وهكذا سمعنا في عدد من الصحف والإذاعات المسموعة والمرئية لحالات الجنس مقابل النقط، والجنس مقابل الترقية، والجنس مقابل الشهرة، وساهم في انتشار هذا المصطلح الدور الذي لعبه المجتمع المدني، الذي كان سببا في كسر طابوهات العنف بمختلف أنواعه وأشكاله.
ما الأسباب التي تجعل النساء في مقدمة ضحايا الابتزاز الجنسي؟
تؤكد عدد من الدراسات والتقارير الدولية أن النساء يحتلن موقع الصدارة ضمن ضحايا الابتزاز الجنسي، ومن الأسباب التي يمكن أن تشرح هذه الملاحظة، كون المؤشرات الوطنية والدولية تؤكد استفحال ظاهرة التمييز وعدم المساواة والهشاشة التي تعاني منها النساء، وهو ما يبدو من خلال الأرقام التالية:
– 45,7 في المائة من النساء يعانين من الأمية.
– نسبة مشاركة المرأة في سوق الشغل أقل من 24 في المائة مقابل نسبة الرجال.
– تمس البطالة المرأة مرتين أكثر من الرجل، والنسبة تبلغ على التوالي 28 في المائة و14 في المائة، في وقت تعيل فيه النساء 17 في المائة من الأسر المغربية، ويشتغلن بكثافة قصوى في القطاعات غير المهيكلة وغير المحصية، كما أن الأجيرات لديهن أجر متوسط أقل بـ26 في المائة مقارنة بالرجال.
وبالرغم من أن النساء يشكلن أزيد من 41 في المائة من الموظفين في القطاع العام، فإن نسبة النساء اللواتي وصلن إلى مراكز القرار لا تتعدى 16 في المائة.
وتظل تمثيلية المرأة ضعيفة جدا على صعيد تمثيل الأجراء والأنشطة النقابية، حيث تشكل 0,38 في المائة فقط.
98.8 في المائة فقط من النساء النشيطات في الوسط القروي، وما يزيد على النصف في الوسط الحضري (دون اعتبار العمل المنزلي).
53.3 في المائة لا يتوفرن على تغطية طبية، ناهيك عن الأوضاع المزرية في مجال الرعاية الصحية والسكن….
– كلها مظاهر هشاشة وتفاوت وتمييز في المجال الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي ضد النساء، تفاقم ذلك معاناتهن ضد مأسسة وتصاعد العنف المبني على النوع. هذه كلمات من الأسباب التي تجعل المرأة عرضة لهذه الجريمة، بالإضافة إلى العراقيل التي تحول دون وصول النساء إلى العدالة.
كيف يسهم القانون في تفشي ظاهرة الابتزاز الجنسي؟
من الصادم القول إن القانون يسهم في تفشي ظاهرة الابتزاز الجنسي، وذلك لاعتبارات عديدة، فمن جهة أولى يبقى عبء الإثبات الملقى على عاتق ضحية الابتزاز الجنسي، عائقا يحول دون إنصاف النساء ووصولهن إلى العدالة، كما أن الواقع يكرس في كثير من الأحيان أن النساء اللواتي يتشجعن على التبليغ عن الظاهرة قد يسقطن ضحايا اعتبارهن متواطئات في هذه الجريمة، وما يزيد من هذا الاحتمال هو وجود نصوص قانونية قد تواجههن عند التبليغ في حال خضوعهن للمساومة، من قبيل الفصل 490 من القانون الجنائي، والذي ينص على أن: «كل علاقة جنسية بين رجل وامرأة لا تربط بينهما علاقة الزوجية تكون جريمة فساد، ويعاقب عليها من شهر واحد إلى سنة».
إن الفصل 490 من القانون الجنائي يمكن أن يجعل ممن تتعرض للابتزاز شريكا في جريمة الفساد، وهو ما يؤدي في الغالب الأعم إلى تكريس ثقافة الصمت وعدم التبليغ، مما يرسخ الإفلات من العقاب.
من جهة أخرى، تجد ضحايا الابتزاز الجنسي عدة عراقيل تحول دول تشجيعهن على التبليغ، وعلى رأسها التصورات النمطية والأحكام المسبقة، والخوف من العار والفضيحة، وهي عوامل تشكل فضاء آمنا للجناة وتشجعهم على التمادي في أفعالهم.
وإن عدم وضوح النص القانوني الذي ينطبق على الابتزاز الجنسي، يسهم في اختلاف تعامل الجهات المكلفة بإنفاذ القانون مع هذه الجريمة، حيث يتم إعطاء تكييفات مختلفة للفعل نفسه، بين التحرش واستغلال النفوذ والاستغلال والابتزاز والرشوة، ولم يؤد صدور قانون 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء إلى حل هذا الإشكال، بحيث بقيت جريمة الرشوة الجنسية موجودة في الواقع، وغير واضحة المعالم في منظومة القانون الجنائي.