فتيحة الأصبهاني.. زوجة مولاي الطاهر عميد «جيل جيلالة» التي اقتسمت معه الحلو والمر
عاش مولاي الطاهر الأصبهاني طفولته في كنف عائلة ميسورة، في أحد أحياء المدينة العتيقة لمراكش (درب الفران)، وكانت المدينة حينها تعيش تحت حكم الباشا لكلاوي، وسيطرة الاستعمار الفرنسي، لكن نشأته في فضاء أسري متعلم مكنه من الانفتاح على التعليم العصري مبكرا، سيما وأن والدته فاطنة بوستة تنتمي لعائلة استقلالية عريقة أنجبت الأمين العام السابق لحزب الميزان امحمد بوستة.
عاش مولاي الطاهر رغد العيش لأن والده عباس كان يحرص على تربية أبنائه على النمط الفرنسي، ولا يتردد في جعل الموسيقى تصدح في فناء البيت، وقبل أن يخلد الوالد للنوم كان يتحاور مع أوتار عود ظل يخفيه على أنظار الأبناء.
اكتشف الطاهر أن عباس الرجل الذي ظل يعتقد بأنه والده البيولوجي، هو مجرد أب بالتبني، وأن أحمد صاحب محل النحاس الصغير بالعطارين الصارم مع أبنائه هو والده الحقيقي، وأن عباس هو مجرد قريب للعائلة.
بعد تجاوزه العشر سنوات بقليل، صحح مولاي الطاهر وضعه الاجتماعي بالالتحاق بأسرته الحقيقية، واضطر إلى قضاء فترة اندماج طويلة في رحلة الانتقال من اليسر إلى العسر، لكن والدته «للاخيتي»، حرصت على تأمين انتقال سلس من مرحلة إلى أخرى.
في سيرة حياته التي جمعها في كتاب «لما غنى المغرب: مولاي الطاهر الأصبهاني وجيل جيلالة»، الذي تسلل من خلاله الكاتب الصحفي العربي رياض إلى تفاصيل مسار الفنان مولاي الطاهر، نكتشف حكاية استرجاع الفتى لاسمه العائلي وتسجيله في دفتر الحالة المدنية بأثر رجعي، «هاجس التسجيل في كناش الحالة المدنية دفع بوالدي مولاي أحمد إلى شراء كبش وقصد به بيت سي عباس وذبحه أمام العتبة، أي أنه «رمى عليه العار». فسمح سي عباس بأن أسجل في كناش الحالة المدنية لعائلتي الأصلية. تمزقت عواطفي بين الجهتين، خصوصا وأن الجفاء بين العائلتين بلغ ذروته».
انضم مولاي الطاهر لفرقة الشبيبة الحمراء للمسرح، قبل أن يشتغل في مركز الاستثمار الفلاحي لإقليم مراكش، لكن تيار المسرح جره بعنف وسحب من تحت قدميه بساط الوظيفة العمومية، قبل أن تقوده الأقدار لمسرح الطيب الصديقي الذي كان نواة لتكوين مجموعة جيل جيلالة التي كان عميدها وأحد أبرز أضلاعها ابتداء من سنة 1973.
لعبت فتيحة الأصبهاني زوجة مولاي الطاهر دورا كبيرا في صناعة نجم الفرقة، كما ساهمت في تقريب وجهات النظر بين مكوناتها حين عرفت جيل جيلالة تصدعات أجهزت عليها وحولتها إلى مجرد ذكرى، تسكن وجدان جيل السبعينات والثمانينات.
تروي سطور النكبة في سيرة مولاي الطاهر، مضاعفات أزمة التصدع ومضاعفاتها على حياة كثير من أفراد الفرقة، «عانى مولاي من أزمة مادية خانقة عندما انسحب أعضاء مؤسسون في الفرقة، مما استنفر زوجته فتيحة التي وقفت إلى جانبه في محنته وشكلت دعما ماديا ومعنويا لزوجها، بل اضطرت لتنفض الغبار عن آلة الخياطة التي كانت لديها، وتدخل غمار حرفة الخياطة كي تساعد مولاي الطاهر في تحمل عبء المصاريف عرفت حياة مولاي معاناة عديدة وهذا يعلمه كل المقربين منه، لكن روحه المرحة وولعه بالنكتة كانا يحجبان حقيقة المشاكل التي يتخبط فيها ويواجهها بصمت بمعية أسرته، خصوصا زوجته فتيحة التي قاسمته شتى أنواع المعاناة».
ومن مظاهر أنفة الرجل ورغبته في العمل لإنقاذ أسرته، قبوله في سنة 2000، الاشتغال في الدعاية لإحدى شركات الاتصال في الجناح الخاص لها بالمعرض الدولي بالدار البيضاء. يقول عمران صديق مولاي الطاهر: «كان هذا الأمر يؤلمني كثيرا فكيف لأحد رموز الغناء المجموعاتي أن يتحول إلى رجل «ريكلام» ليس في قناة تلفزية أو إذاعة أو صحيفة، وإنما على الهواء في جناح مخصص لشركة، لحسن الحظ، يضيف عمران، كانت الفكرة هي أن يلبس لباس «الدمى» وأن يصبغ وجهه بشعار الشركة وأن يقوم بحركات ميمية طيلة أربعة أيام صباح مساء، فيما يقوم عبد العظيم الشناوي بالتنشيط بواسطة الميكروفون. بينما كان مولاي الطاهر يقوم بالدور المنوط به في المعرض الدولي، ستأتي زوجته وابنته الصغرى غيثة، فاقتربت منه زوجته متسائلة بألم: «آش هادشي آمولاي الطاهر؟ فرد عليها: «هاد شي اللي عطا الله» والحزن يعتصر قلبه بالنظر لصعوبة الموقف». رغم ذلك كانت تهيئ له يوميا حقيبة فيها «سندويش» لتفادي اقتناء مأكولات باهظة الثمن.
ومن المفارقات الغريبة في حياة مولاي الطاهر، تطوعه لفائدة الفئات المحرومة حين قدم وصلات إشهارية لأسبوع التضامن بدعوة من الملك محمد السادس، كما أنه لم يطلب مقابلا لهذا العمل، إلا أن القصر انتبه إلى ما قدمه هذا الفنان من خدمات للوطن، فوشحه ملك البلاد بالوسام العلوى من درجة قائد وقدمه منشط الحفل بمولاي الطاهر الأصبهاني «عضو مؤسس» لمجموعة «جيل جيلالة».