جالست المعارض الجزائري هشام عبود، أول أمس، بأحد مطاعم الدار البيضاء، تناولنا وجبة عشاء وابتعدنا في حديثنا عن السياسة والسياسيين، ثم تداولنا في أمور الكرة.
حين عبرنا دهاليز الكرة المغاربية، اكتشفت هشام المحلل الرياضي العارف بأحوال الكرة وخباياها.
ليس هشام عبود مجرد كاتب صحفي جزائري معارض ينبه الرأي العام لحالات الشرود التي يسجلها ضد فريق تبون وأزلامه، بل هو قارئ لكف كرة جزائرية محشوة بالهواء الفاسد.
وهو يتناول وجبة العشاء يتوقف في فاصل رياضي دون أن تفارق الشوكة يده، ليغوص في تاريخ الكرة الجزائرية ويتحدث بزهو كبير عن فريق جبهة التحرير ويستحضر نجومه الذين ضحوا بمستقبلهم الرياضي في أوربا وعادوا إلى بلادهم لكتابة التاريخ.
لا يتردد الرجل العاشق لمولودية الجزائر، في الكشف عن طبقات الفساد المستفحل في الاتحاد الجزائري لكرة القدم وفي الأندية، وهو الذي خاض معارك ضارية ضد المسيرين الذين يصلون على قبلة تبون وقبله بوتفليقة..
ليس عبود من طينة الرجال الذين يصدق فيهم قول: “وشهد شاهد من أهلها”، لأنه يرفض أن ينتسب لأهل الفساد والمفسدين.
وحين قال إن رئيس الاتحاد الجزائري السابق محمد روراوة، يمارس الغطس في بركة الفساد الآسنة، تصدى له الذراع الإعلامي واتهمه بالسباحة ضد التيار. لكن عبود تساءل: كيف لرجل كان يبيع تذاكر ولوج قاعات السينما، سرعان ما تحول إلى رئيس لـ”الفاف” وأضحى عضوا في الاتحاد العربي والإفريقي وفي الفيفا؟
حتى ولو كان روراوة يبيع صكوك الغفران وليس تذاكر العروض السينمائية، لن يراكم تلك الثروات التي جعلت رصيده البنكي يعاني من السمنة.
عندما نبه عبود لوجود رئيس للاتحاد الجزائري اسمه خير الدين زطشي، يملك مواهب خارقة في تحويل الأموال وتبييضها (من البيض)، استل إعلام الرئيس سيوفه وقاتل عبود.
وحين كان هشام يرمم كدمات عملية اختطافه، كان القضاء الجزائري يعلن إيداع خير الدين زطشي، الرئيس الأسبق لـ”الفاف” ومالك نادي بارادو المنافس بدوري المحترفين، الحبس على خلفية اتهامه في قضايا فساد.
ووجه خير الدين بسلسلة من التهم تكفي لإقامة طويلة المدى في سجن بوغار الرهيب، وتخص “إساءة استغلال الوظيفة عمدا، والتبديد العمدي لأموال عمومية والمشاركة في ذلك، وإبرام عقود مخالفة للأحكام التشريعية والتنظيمية بغرض منح امتيازات غير مبررة للغير، والاستفادة من امتيازات غير مبررة، بمناسبة إبرام عقود مع الدولة أو إحدى الهيئات والمؤسسات التابعة لها”.
ليس زطشي هو المتهم الوحيد في ملف الفساد، فالاتهام امتد ليشمل الرؤساء الثلاثة السابقين لاتحاد الكرة، في الوقت الذي ردد فيه الرئيس الحالي في قرارة نفسه: أنتم السابقون ونحن اللاحقون.
خاض عبود معركة ضارية مع عمر غريب المدير العام السابق لمولودية الجزائر، وفضح جشع الرجل الذي كان مدعما من شقيق بوتفليقة، قبل أن يكتب لعمر وسعيد اللقاء في السجن، وتبين أن هشام كان على حق حين صاح: ابعدوا غريب عن مولودية الجزائر، فصدوا عنه.
خرج الحراك الجزائري من مدرجات الملاعب، فأوقف النظام المنافسات الرياضية ومنح اللاعبين والمدربين عطلة مدفوعة الأجر، بينما تخرج من المجالس الإدارية للأندية والاتحادات مسيرون آمنوا بأن المال والكرة زينة الحياة الدنيا.
في جلستنا يصر هشام على أن الرياضة وحدها القادرة على لم الشمل المغاربي، شريطة التخلص من مثيري النعرات في منصات التواصل الاجتماعي، الذين يزرعون الألغام ليلا ليجنوا ثمن الإثارة نهارا.
نحمد الله على نعمة الكرة التي لطالما أصلحت ما أفسدته السياسة، في انتظار اجتثاث كائنات تنتصب في المنصات الرسمية وهي ترتدي ملابس من أشهر الماركات، وتتمنى أن نكون مدى العمر حفاة.