شوف تشوف

الرأي

فات الميعاد

حسن البصري
عندما يشيع خبر موت فنان في المغرب وتتهافت الجالية المغربية المقيمة في منصات التواصل الاجتماعي لتقديم العزاء، يتريث العقلاء، يعتقلون دموعهم ويصادرون أحزانهم، لأنهم يعلمون أن الفنان المغربي يغسل ويشيع ويؤبن افتراضيا قبل أن يأتي أجله المحتوم.
تضطر أسرة «الراحل» وهو على قيد الحياة، لتقديم بيان حقيقة تعلن فيه استمرار الحياة وتطمئن مقدمي العزاء شاكرة سعيهم مؤكدة أن سوء فهم قد لف حيا يرزق في كفن.
باسم السبق الصحفي يسعى بعض المتعاطين للصحافة إلى تقديم أخبار الموت مقرونة بعبارة «عاجل»، في غمرة التهافت على كسب سباق الفواجع، يقتل الفنانون المغاربة مرات حتى يصبح موتهم الحقيقي مجرد إشاعة.
ماتت الحاجة الحمداوية مرتين في مواقع التواصل الاجتماعي، وكانت الثالثة ثابتة، وظل الكوميدي عبد الرؤوف عرضة للقصف الإعلامي العشوائي قتل ثلاث مرات بالحبر الصيني، وظل أفراد أسرته يحررون بيانات حقيقة تقول للرأي العام إن والدنا حي أطال الله في عمره، لا تستعجلوا رحيله.
عاشت أسرة محمد الجم حالة استنفار قصوى، وهي تكذب خبر الوفاة التي استهدفت فنانا يبدو في كامل لياقته البدنية من خلال إطلالاته في الوصلات الإشهارية، وأمام العودة والتكرار والإصرار على دفن الرجل وهو حي يرزق، صرف النظر عن البيانات حتى لا يضيع في الأوهام عمره.
ولأن الإشاعة من فصيلة المواد القابلة للاشتعال، فقد انتشر خبر وفاة المطرب عبد الهادي بلخياط في الوسط الإعلامي، كانتشار النار في الهشيم، تناقلته المواقع أبا عن جد، قبل أن ترد أسرة بلخياط بتوضيح للرأي العام تؤكد فيه سلامة الفنان الصوفي من كل مكروه، وتعلن تمتعه بالصحة والعافية.
تبين أن خلطا في الأسماء قد تسلل إلى خبر الوفاة، وحاول عبثا تعطيل «قطار الحياة» وأن الميت هو الملحن محمد بلخياط تغمده الله بواسع رحمته، وليس المطرب عبد الهادي، الذي ردد في قرارة نفسه مقطوعة «ما تاقشي بيا أش ندير ما تاقشي بيا»، ثم فوض أمره لله.
دعوهم يقتلون الفنانين مثنى وثلاث ورباع، فقتل مرهفي المشاعر في واضحة النهار لا يقابله في فصول القانون عقاب، وتعريض صناع الفرجة للموت الإعلامي قبل آجاله أصبح لعبة ترفع مؤشر الإثارة وتزيد من «الجمجمة» المدرة للدخل، ولو على حساب مشاعر أهالي الحي/ الميت.
ليست هذه هواية المرابطين المغاربة في مواقع التواصل الاجتماعي، فقد اتفق العرب على قتل كل من سولت له نفسه التربع على عرش النجومية، قتل محمد حسن مغني العقيد القذافي مرات عديدة قبل أن يتوقف نبضه ويوارى الثرى في غفلة من كتائب حفتر. كما مات المطرب الجزائري رابح درياسة بنيران صديقة مرتين، وتبين أن الرصاص مطاطي وأن للعمر بقية، إلى أن لقي ربه.
كاد رابح أن يموت من شدة الغيظ، بعد أن عاتبته القوات الاحتياطية للنظام الحاكم في الجزائر، على تكريمه من طرف ملك المغرب الراحل الحسن الثاني الذي أهداه «برنوسا» مطرزا بالذهب، واصفا إياه بعميد الأغنية البدوية، لكن رابح خرج خاسرا من مباراته التكريمية، فقد عاش ما تبقى من حياته ممنوعا من الصرف مجرورا مطاردا بحروف العلة.
حين استبد المرض بدرياسة وتمدد على فراش الألم في المستشفى، تحركت نحو جناحه ممرضات عزمن على رد المعروف، بعد أن كان وهو في كامل لياقته يتغنى بملائكة الرحمة ويعدد محاسنهن، قبل أن يتغزل يتيم المغرب بممرضة، أو يرتبط القرضاوي بـ«فرملية» مغربية.
في بلدي يفوق مروجو الإشاعات من حيث العدد مروجي «ماء الحياة»، ففي كل يوم نقف مذهولين أمام سيول أخبار التنكيل بالرموز ودفنهم دون مراسيم جنائزية، ونتفرج على القتل العمد دون رادع، وقبل المغيب نعلن وفاة المصداقية ويتأكد لنا بالملموس، أن الخبر «مدنس» والتعليق حر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى