فاتورة الضعفاء
لا أعرف كيف أكذب وكيف أزور الحقائق، لو كنت أعلم أن ضريبة الصدق مؤلمة لما ابتغيت لي هذا السبيل لبقيت بعيدة كل البعد عن هموم الآخرين، أكتفي بالمطبخ وتتبع المسلسلات التركية.. وحتى لو ابتغيت هذا السبيل لكانت حقيبة مصروفي تبلغني موجز أخبار السوق وجديد تركيبة المجتمع.. الناس هادئون وفاتورة الكهرباء والماء في تزايد، لازلت لا أستهلك أكثر مما استهلكته خلال العشرين سنة الفارطة، وحده واجب الأداء ما يتغير. الأرقام في تزايد مستمر في ورقة يانصيب شركتي الكهرباء والماء، أثقل كاهلي، أنا التي لا عمل عندي، سمعت عن زيادة في الأجور، لكن أجور من؟ وتلك الزيادة فيم ستفيدني، هل خزينة البلاد مخصصة للموظفين أم وحدهم من يعتبرون مواطنين شبه حقيقيين سيستفيدون؟ كان من الأفضل لو يعفونا من الضرائب والتزايد المرتفع للمواد الاستهلاكية، على الأقل سنستفيد جميعا دون تمييز.. أتساءل، والتساؤل عادتي منذ طفولتي، إن كنت أنا التي أستهلك مصباحا وتلفازا بذات الليل فقط.. وانهالت على رأسي كل هذه الأرقام الضخمة، فكيف يا ترى شكل الأرقام في فاتورة الأثرياء والعاملين بشركات الكهرباء؟ والله أعلم مدى مصداقية ما سمعت عن كونهم يمتلكون في منازلهم مكيفات صالحة لكل الفصول، مطبخ كهربائي آخر موديل، يستقبلون مصففة الشعر في منازلهم، وربما يتبرعون على جار حميم بخيط كهرباء صدقة جارية وحسنة تمحو سيئة وها نحن بخير..
يا سيدي القارئ يسعدني أنك لا تؤدي فاتورة على تصفية كليتيك كل يوم، ولا تؤدي فاتورة ضخ الدماء لقلبك، ولا تدفع ضريبة شهرية لنومك الهانئ والمستريح، ولا تشعر بالبانكرياس وهو يعدل السكر والملح في جسدك.. تهيم على الأرض تفكر في أحوال الدنيا ولا تتفكر، لو سلبت منك كل تلك النعم وامتلكت الدنيا بما فيها، في ماذا تنفعك؟ أنت الذي تأتي الشرطة لتفتح باب جارك الذي باغتته المنون منذ أسابيع حتى تحلل جسده وفسدت رائحته.. وأنت لا تسأل عنه.. ما بكم أيها الناس على سياسة «راسي يا راسي»؟ تسرق فتاة أمام أعينكم ولا تتكلمون، ينصب على زبون وعليه تتغامزون، ينصب على أمة وأنتم في نعيمها تتمتعون.. سأعتزل الأفلام التركية، وأكتفي بمصباح واحد وأرى إن كانت الفاتورة سترحم ضعفي، وإن لم ترحم ضعف امرأة لا تشعل إلا مصباحا واحدا، في ليل الأحد والاثنين والثلاثاء، أما باقي الأيام فتوزعها بالتساوي على زيارة منازل بناتها.. يوزع النور على الشوارع بالمجان وتتقاسم المنازل بالتساوي حسنة إنارة سبيل العابرين.. فلا تحسبوا أنكم يا سكان مدينتي تدفعون فاتورة مصباحكم بل حتى مصابيح الشوارع والطرقات..