كنت تلميذا مجتهدا لكنك قررت التوقف عن الدراسة، هل كان القرار أول غلطة في حياتك؟
يمكن أن يكون واحدا من أخطاء العمر، لكن يجب وضع هذا الخطأ في سياقه التاريخي، فقد كنت أصغر أفراد عائلتي وكنت أتابع دراستي بثانوية مولاي عبد الله بجدية، إلا أنني كنت، في الوقت نفسه، لاعبا ضمن منتخب الشبان، حيث أتلقى بين الفينة والأخرى الدعوة لدخول معسكر مغلق بمعهد مولاي رشيد بمدينة سلا، وطبيعي أن أتغيب خاصة وأنه لما وصلت لمستوى الباكالوريا تم ضمي للمنتخب الوطني الذي شارك في دورة دولية بفرنسا، لهذا كان من الصعب في تلك الفترة التوفيق بين الرياضة والدراسة. خلال مشاركتي في هذه الدورة حصلت على لقب أفضل لاعب لكنني لم أجتز امتحانات الباكالوريا إلى أن قررت القطع مع الدراسة والتفرغ للكرة.
هل تدخلت عائلتك لإعادتك لسكة الدراسة؟
تدخل الحكم السابق المرحوم الغرميلي الذي كان مدرسا بالثانوية نفسها، حيث أرسله المدير لتقصي حقيقة الأمر وإقناعي بالعودة إلى القسم لأنني كنت تلميذا مجتهدا بشهادة المدرسين، ولو لم أكن كذلك لما تدخلت الإدارة لإعادتي إلى القسم، إلا أن موقفي ظل ثابتا وقلت للغرميلي إنه من المستحيل الجمع بين الكرة والتحصيل الدراسي. حتى عائلتي لم تعترض لأنها كانت أحوج إلي كي أنتشلها من الهشاشة رغم أنني تحملت هذا العبء وأنا صغير السن، الحمد لله تمكنت، مع مرور الوقت، من إنقاذ عائلتي وتمكين أفرادها من سكن أفضل.
في تلك الفترة كان اللاعبون في سنك يفضلون تأمين مستقبلهم بالانضمام للفرق المهنية التي تمكنهم من وظيفة تضمن لهم راتبا شهريا فضلا عن فرصة المشاركة في البطولة المهنية، هل تلقيت عرضا من فريق مهني؟
فعلا تلقيت من بعض الإخوان الذين كانوا يتابعون مساري ويمارسون في البطولة المهنية، مقترحا بالانضمام لفريق مهني تابع لأحد الأبناك وكان يلعب في البطولة العمالية. فعلا تحمست للفكرة لكن مسؤولي الرجاء رفضوا حين علموا بالأمر ووعدوني بتوفير منصب شغل لاسيما وأنهم كانوا يعلمون أنني أعيل عائلة.
هل تم تشغيلك من طرف الرجاء البيضاوي؟
قبل أن ألعب للفريق الأول، أي حين كنت لاعبا ضمن فريق الشبان وفي الوقت نفسه أحمل صفة لاعب دولي لمنتخب هذه الفئة العمرية، اتخذ الرئيس الأسبق للرجاء عبد الواحد معاش قرارا بتمكيني من ربع منحة لاعبي كبار النادي، وكلف يوعري بتفعيل هذا القرار. علما أن المدرب كان يستدعيني لمباريات الفريق الأول دون أن يشركني في المباريات، حيث أتواجد مع الفريق قبل المباريات في مطعم بحي النخيل تابع لجمعية سباق السيارات، هناك أتناول معهم وجبة الغداء قبل التوجه للملعب حيث أتابع المباراة من المدرجات. كما أن عبد الواحد معاش اقتنى لي دراجة نارية حين اشتكيت له من طول المسافة الرابطة بين ملعب الرجاء ودرب السلطان.
لكن مطلبك الأول كان توفير منصب شغل..
حين ألح المدرب على استدعائي للفريق الأول جالست الرئيس الذي وعدني براتب شهري، كانت الوعود في تلك الفترة شفوية أي لا وجود لعقود أو التزامات، لكنني قلت له إنني لا أريد في الوقت الراهن راتبا من الفريق، بل أريد وظيفة على غرار بعض اللاعبين الذين تم تشغيلهم، وبعد أقل من شهر التحقت بإحدى المؤسسات البنكية التي كانت تربط رئيسها علاقة بالرجاء.
هل كنت موظفا شبحا على غرار كثير من اللاعبين؟
لم أكن موظفا شبحا، أو من فصيلة الموظفين الذين يضعون معطفهم على الكرسي ويخرجون، تاركين خلفهم دليل تواجدهم في مقر العمل. تصور أنني رافقت الرجاء في رحلة إلى مدينة وجدة وعدنا في القطار صباح الاثنين توجهت إلى البيت وضعت حقيبتي وغيرت ملابسي وقصدت مقر العمل. أذكر أن أحد المستخدمين استغرب لتواجدي في المؤسسة لكنني شرحت له سر حضوري وأكدت له سعيي للتكوين في المجال البنكي حتى إذا حصل لي مكروه في كرة القدم حال دون استكمال مشواري الكروي أكون قد ضمنت وظيفة، ثم إنني كنت أود تطوير عملي وأرفض أن أبقى مجرد مستخدم في مكتب الضبط.
تألقت بشكل لافت في دورة ألعاب البحر الأبيض المتوسط، ما عجل باحترافك صوب سويسرا، لكن ألم يكن اختيارك لفريق متوسط القيمة غلطة بداية المشوار الاحترافي؟
بعد أن تألقت في دورة ألعاب البحر الأبيض المتوسط سنة 1983 والتي احتضنها المغرب، ونلت لقب هداف الدورة وجائزة أحسن لاعب، تلقيت عدة عروض احترافية، خاصة من مونبوليي وكان يمارس ضمن القسم الثاني في فرنسا ومن أولمبيك ليون، ومن نادي لوزان سبور السويسري، فضلت هذا العرض لأنني كنت أريد أن أجعل أول محطتي الاحترافية مجرد جسر عبور صوب الدوري الفرنسي الذي كنت أتابعه، خاصة أن أندية مهمة كانت تؤثث الدوري السويسري وتتنافس على اللقب، كسيرفيت جنيف وغراسهوبر ويونغ بويز وسيون، الحمد لله ما خططت له هو الذي حصل فعلا، أي أنني قضيت عامين في لوزان لأنتقل إلى فرنسا.
كم كان نصيبك من صفقة الاحتراف السويسري؟
حصلت على نسبة قليلة من القيمة المالية التي دفعها نادي لوزان للرجاء وقدرها 120 مليون سنتيم تقريبا، وأمضيت عقد انتقال للوزان لمدة سنتين، هذا الرقم كان كبيرا في منتصف الثمانينات. لقد قلت لعبد اللطيف السملالي، بحضور ابنه زكي، دعوني أحترف كي لا أفوت على نفسي هذه الفرصة، قلت له لقد قدمت ما يكفي للرجاء وإذا تجاوزت مدينة طنجة لا أحد يعرفني، حينها وافق وانتقلت للاحتراف في لوزان.
ما دمنا في أجواء ألعاب البحر الأبيض المتوسط، هل كان الملك الحسن الثاني يقدم لمدرب المنتخب وصفة الفوز وخطة اللعب قبل كل مباراة؟
قبل المباراة التي جمعتنا بمنتخب تركيا في نهائي ألعاب البحر الأبيض المتوسط سنة 1983، تكلم معنا المرحوم الحسن الثاني هاتفيا، وأعطانا الطريقة التي يجب أن نلعب بها، وتحدث مع المدرب البرازيلي فلانتي عن أسلوب لعب المنتخب التركي، وكان المدرب يعلم أن الملك يعرف جيدا أدق التفاصيل الكروية، وأخبرنا بذلك في أكثر من مناسبة، وتمكنا من الفوز باللقب بعد الانتصار بثلاثية نظيفة في النهائي.