شوف تشوف

الرأي

غريقان في الرمل

يونس جنوحي

لا يمكن أن يكون الأمر صدفة. إذ في الوقت نفسه الذي عمم فيه الجزائريون البلاغ أحادي الجانب بتجميد العلاقات الدبلوماسية مع المغرب، وضعت في الأرشيف الحكومي الأمريكي وثائق من وزارة الخارجية الأمريكية تتعلق بشمال إفريقيا.
والواضح أن الجزائريين هم من اصطدموا مع توقيت ترتيب الوثائق الأمريكية الجديدة، إذ إن عملية إفراج الأمريكيين عن أرشيفهم، تعتبر مواعد سنوية مضبوطة جدا يراعى فيها قانون رفع السرية والأحقية في الوصول إلى المعلومة. بينما بلاغ الخارجية الجزائرية دُبر بليل كما يقال.
أما أرشيف الخارجية الأمريكية الذي رتب ما يزيد على المائتي وثيقة رفعت عنها السرية، فإنه يؤرخ لموقف مغربي لم يتغير في جوهره مع كل رؤساء الجزائر السابقين. بينما الذين يسيطرون على الجزائر، يغيرون من طريقة تدبيرهم لملف الحدود مع المغرب، حسب الرؤساء الذين يصلون إلى السلطة. حيث يتضح أن تلك السلطة ليست في يد السياسيين وإنما في يد الجيش.
إذ إن الجزائر في معركة «أمغالا» حاولت الانحناء للعاصفة، بعد أن أيقنت أن تمويل حرب في الصحراء لن يأتي بأي نتيجة لصالحها، وقبلت أن تعقد هدنة سرعان ما عمدت إلى خرقها بتمويل اقتحامات البوليساريو وتحرشاتهم بالحدود مع المغرب، وما زالت الجزائر اليوم أمام مساءلات في جنيف بسويسرا بخصوص ملفات مختفين مغاربة وأجانب، فرنسيين خصوصا وإسبان، في الصحراء.
ما يربط الجزائريين بالمغرب صراحة، أكبر من أن تحجبه اندفاعات سياسيين غير مسؤولين، ناضل الجزائريون لأشهر طويلة لإخراجهم من السلطة. وها هم قد عادوا إليها من النافذة.
والصورة الرسمية الأخيرة التي نُشرت للرئيس الجزائري، المدني يا حسرة، وهو يوقع على أوراق حكومية ويطوقه الجنرالات من كل جانب، كافية لجعل الحقوقيين حول العالم يطالبون بإطلاق سراحه وإنقاذه من مفك العسكريين، الذين لا يزالون يذكرون هزيمتهم أمام المغرب وهم ضباط صغار في معركة حرب الرمال. إذ إن جيل «شنقريحة» كانوا ضباط صغارا في الجيش الجزائري حينها.
يصعب أن تقنع هؤلاء بأن الشارع الجزائري لا يترجم نهائيا اختياراتهم على أرض الواقع. وأن هناك مواطنين جزائريين يريدون أن تفتح حدود بلادهم مع المغرب، لكي يتسنى لهم تكوين مستقبل يليق بهم وبأسرهم. فقرار إغلاق الحدود الذي طبقته الجزائر في منتصف التسعينيات، أضر بالمدن والقرى الجزائرية وحدها، حيث أصيبت أسواق جزائرية بالكساد، بعد أن كانت تعتمد على الواردات المغربية، خصوصا في مجال الفلاحة والمواد الغذائية. بينما لم يكن يصل من الجزائر إلا المحروقات عالية التلوث، الرائجة في السوق السوداء، وأدوية التخدير القوية التي يحتاج الوصول إليها في الصيدليات التوفر على وصفة طبية خاصة.
الشارع الجزائري يريد فتح كل المنافذ البرية والبحرية والجوية مع المغرب، ولا يوجد جزائري واحد يؤيد قرارات العسكريين، الذين يحكمون البلاد على طريقة قدماء أنصار الاتحاد السوفياتي. على الجزائريين استعادة بلادهم أولا، وبعدها لكل حادث حديث.
أما بخصوص وثائق الخارجية الأمريكية الجديدة، فإنها تتحدث عن البلاغات الرسمية التي أصدرها المغرب بخصوص العلاقات مع بعض الدول العربية، على خلفية دعوة الملك الراحل الحسن الثاني إلى عقد قمة عربية. بينما بلاغات الجزائر كانت في مجملها تنصب على مباركة قتال ميليشيات البوليساريو في الصحراء. منذ ربع قرن وهذا الغريق يستنجد بغريق آخر، إلى درجة أن المستنقع قد جف، ولا يزال الغريقان يواجهان خطر الغرق في الرمل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى