سهيلة التاور
يمثل عالم الأحلام نقطة غامضة بالنسبة إلى العديد من الأشخاص. وقد استطاع مجموعة من العلماء المختصين تفسير النوم من خلال أربع مراحل تميزها خصائص مختلفة، كما تمكنوا من الوصول إلى تفسيرات جديدة تكشف جوانب غريبة في علاقة الدماغ بالأحلام بشكل مباشر.
يتفق العلماء بشكل عام على أن هناك أربع مراحل من النوم نتجول خلالها عدة مرات كل ليلة، وتشكل الثلاث الأولى منها ما يسمى نوم حركة العين غير السريعة (REM) والمرحلة الرابعة هي نوم الريم، حيث تحدث الأحلام.
ففي المرحلة الأولى ينتقل الجسم والدماغ من اليقظة إلى النوم، ويغير الدماغ اهتزازاته الكهربائية من نمط اليقظة النشط لموجات الدماغ إلى إيقاع أبطأ، وتثبط قوة العضلات في جميع أنحاء الجسم.
وتتضمن المرحلة الثانية انخفاضا في درجة حرارة الجسم، وتصبح ضربات القلب والتنفس أبطأ، وتتباطأ موجات الدماغ أكثر، وقد تستمر فترات النشاط الكهربائي القصيرة في الدماغ في تمييز هذه المرحلة من النوم.
المرحلة الثالثة من النوم غير الريمي هي مرحلة النوم العميق، والتي تحتاجها أجسامنا للاستيقاظ والشعور بالانتعاش. في هذه المرحلة، ينخفض معدل ضربات القلب، والتنفس، ونشاط الدماغ إلى أدنى نقطة.
أما مرحلة النوم الخفيف المليئة بالأحلام هي المرحلة الرابعة والأخيرة، فتحدث بعد حوالي 90 دقيقة من النوم، وتسمى حركة العين السريعة لأن العيون تتحرك بسرعة خلف الجفون المغلقة. في هذه المرحلة يكون الجسم ساكنا باستثناء العينين، إذ تتحركان بشكل سريع جدا بمعدل حركة واحدة كل 30 ثانية.
النوم والدماغ..صلة وثيقة
اكتشف علماء يابانيون أخيرا وجود خلايا معينة في الدماغ، تتحكم في مراحل النوم المختلفة ولكل مرحلة نوع مختلف من نشاط الدماغ. وتبدأ هذه المراحل من النعاس إلى النوم العميق، وفي هذه المرحلة يمكن للجسم أن يتحرك لدى حدوث الكوابيس.
وتوصل الباحثون سابقا إلى أن الخلايا العصبية في جذع الدماغ تنتقل أثناء تطور الجنين من مؤخرة الدماغ، وتستقر في منطقة السقفية الجسرية. وهي منطقة تقع بين منتصف الدماغ ومؤخرته، ويرجح العلماء أن تكون هي المسؤولة عما يعرف بنوم «حركة العين السريعة».
وفي دراسة حديثة قام باحثان بإجراء تعديل على بعض الخلايا العصبية الدماغية الجذعية لدى بعض الفئران المعدلة وراثيا، للتحكم في إفراز الناقل العصبي ««Atoh1 وتنظيم مرحلة نوم «حركة العين السريعة» لدى الفئران. ولدى تنشيط الخلايا العصبية تمكن العالمان من تقصير مرحلة نوم حركة العين السريعة، فضلا عن التحكم في مراحل النوم الأخرى.
ووفقا للدراسة فإن جهاز التخطيط الكهربائي للدماغ أظهر أن زيادة طول مرحلة نوم حركة العين السريعة تحول دون النوم العميق، فضلا عن اكتشاف خلايا عصبية تعيق الوصول إلى مرحلة نوم «حركة العين السريعة»، ما يعزز شدة النوم.
وأثناء حركة العين السريعة، يصبح التنفس أسرع وغير منتظم، ويزداد معدل ضربات القلب وضغط الدم إلى مستويات قريبة من الاستيقاظ.
نشاط الدماغ والأحلام
يكون جزء من المخ نشطا أثناء الحلم بنفس قدر نشاطه خلال الاستيقاظ، وهذا يفسر رؤية بعض الأماكن والصور والأشخاص، سواء المألوفين أو الغرباء. والجزء النشط في الدماغ خلال رؤية الأحلام هو الجهاز الحوفي أو النطاقي، ويتكون من اللوزة والحصين والتلفيف الحزامي.
وتقوم اللوزة بوظيفة أخذ المعلومات من الحواس وجعلها تتفاعل، وتظهر على هيئة الشعور بروائح في الحلم. أما الحصين فهو مسؤول عن تقوية الذاكرة وإدخال بعض المواقف التي مر بها الإنسان في حياته الواقعية بالحلم أو الأشخاص أو الأماكن التي يعرفها من يحلم، والجزء الثالث هو التلفيف الحزامي المسؤول عن ردود فعل الجسم خلال النوم، إذ يتحكم في حركة العضلات والهيكل العظمي خلال التحرك والانفعال داخل الحلم، حسب ما ذكره موقع «دريم» البريطاني، التابع لإحدى شركات تصميم المراتب والأسرة.
وخلال الأحلام، يرى البعض مناظر مخيفة ويهرب من أحداث مميتة وهذا يؤثر أحيانا على الحالة النفسية، ويسمى «اضطراب الكوابيس»، ويترتب عليه صداع عند الاستيقاظ وخوف وتوتر يؤثر على نمط الحياة اليومي.
ووفقا لموقع «مايو كلينك» التابع لأحد المستشفيات الأمريكية، فإن الإنسان يمكن أن يحمي نفسه من رؤية الكوابيس من خلال الاسترخاء قبل النوم عبر ممارسة أنشطة مهدئة كالقراءة أو حل الألغاز أو أخذ حمام دافئ أو ممارسة تمارين الاسترخاء والتنفس العميق للتقليل من الضغط الذي يصاحب ساعات العمل، والابتعاد عن الهاتف والشاشات المضيئة بشكل عام، قبل فترة جيدة من النوم.
ارتباط الأحلام بالواقع
يعتبر العديد من الناس الأحلام ذكريات مشتتة يترجمها العقل الباطن بشكل صور أو مشاهد غير مترابطة في معظم الأحيان، لكن ثمة نظريات أكثر جدية في معالجة هذا الشأن، وقد كانت نتيجة تجارب مكثفة، وبراهين قاطعة أثبتت أن الحلم ليس سوى حلقة مكملة للإدراك الحسي والفكر التحليلي الواعي، وهذا يعني أنه أكثر ارتباطا بالواقع مما نظن.
فعندما يخلد الإنسان إلى النوم لا ينقطع عن التفكير بعكس ما كان يُعتقد سابقا، فإنه كما تؤكد الدراسات، يستمر خلال النوم في حالة من الوعي الفكري الناشط، وهذا يعني أنه لا ينقطع عن التفكير في ما يعترضه يوميا من مشاكل حياتية، آملا في الوصول إلى حلول ترضي طموحاته. لكن الفرق أن دماغه في أثناء النوم لا يتعامل مع أفكاره بطريقة عادية، بل يتفاعل معها بيوكيميائيا ليظهرها بشكل صور أو أفلام مرئية تحمل أكثر من معنى.
قد تبدو الأحلام غريبة وبدون معنى، وهذا يعود بحسب الدراسات إلى تأثير كيمياء الدماغ في رؤية الأفكار التي تراودنا خلال النوم. والمعروف بحسب المعطيات المتاحة من الدراسات العلمية، أن الأفكار التي تتكثف بعد الاستغراق في النوم تتركز على مشاكل الحياة اليومية، الأمر الذي يساعد على إيجاد حلول لها والدلائل على ذلك كثيرة.
الدماغ والمشاكل اليومية في الأحلام
بحسب دراسة أجرتها مجلة العلوم الأمريكية، فإن الإثباتات على تفاعل الدماغ مع المشاكل اليومية في أثناء النوم، لا تحصى ولا تعد. وفي هذا السياق ذكرت المجلة بالبروفيسور الأمريكي شارلز شيلدر الذي كان قد تنبه إلى هذه الظاهرة، منذ أكثر من قرن. واللافت في الموضوع أن شيلدر استبق عصره، وأجرى خلال العام 1892 دراسة على مجموعة من الطلاب في جامعة ويزليان الأمريكية، طلب منهم خلالها الاجتهاد في حل مشكلاتهم عبر الأحلام. وعرف آنذاك أن عددا كبيرا من الطلاب تجاوبوا مع الأستاذ؛ فمنهم من وجد حلا لبعض المسائل الرياضية المستعصية، ومنهم من تمكن من ترجمة بعض النصوص أو وجد مخرجا لأمور عالقة. وكان الإنجاز الأهم خلال العام 1972، عندما وضع أحد الأساتذة الجامعيين طلابه أمام معضلات يصعب تذليلها، وطلب منهم معالجتها في أحلامهم. وكما فعل أسلافهم، خاضوا التجربة بنجاح، وتمكنوا من حل مشكلاتهم عبر أحلام معدودة من أصل مئات منها راودتهم.
وكل هذه النتائج المبنية على التجارب التي واكبها الباحثون عبر العقود الأخيرة، دفعت إلى الجزم بمقدرة الإنسان على التحكم في الحلم، واستخدامه في إيجاد حلول لمشاكل حياته. وهذا يحصل كما تؤكد الأبحاث الجارية، عندما يركز الإنسان بعمق على مشكلاته قبل خلوده إلى النوم.
وعموما تكون الحلول التي تقدمها الأحلام خارج إطار المنطق. فبالنسبة لاختراع تركيبة البنزين، المخترع «كيكولي» كان قد رأى في الحلم أفعى تضع ذيلها في فمها. ولما كان فكره مشغولا بالتركيبة، استنتج من الحلم أنها ذات شكل مستدير وليس مسطحا كباقي التركيبات الكيمائية، فكثف جهده في هذا الاتجاه ووصل إلى مبتغاه.
وبذلك فإن تفسير الحلم من أجل الوصول إلى الحل المطلوب يعتمد عموما على الاستنتاج وليس على المنطق السليم. وهذا يعود إلى حركة المناطق الدماغية التي تنشط خلال الأحلام. فهذه المناطق لا تحرك المنطق بقدر ما تنشط إرسال الصور الخلاقة، أي التي تمكن الحالم من رؤية الحل بدلا من أن تجعله يفكر في الوصول إليه. وعلى هذا الأساس تعتبر الأحلام مفتاح الخلق والإبداع.
الأحلام الواضحة
صحيح أن الحلول التي تظهر في الأحلام تميزها عموما مواصفات مرئية مشوشة. لكن يحصل أحيانا أن يرى النائم أحلاما واضحة، وكأنها جزء من اليقظة ويتمكن في حال عمل جهده على تحليلها، من الوصول إلى حلول خلاقة.
في ما يتعلق بهذا النوع من الأحلام، هناك إثباتات على فوائدها في تخطي القلق والخوف وهذا يحصل عندما يرى النائم نفسه في أجواء هادئة ومريحة، أو حتى عندما يتفاعل دماغه مع الأحلام المزعجة (الكوابيس). فالكوابيس واضحة المعالم تدربه على أخذ الحيطة والحذر، وتعلمه الابتعاد عن أماكن الخطر بأشكال مختلفة، وقد تمكنه من خوض مغامرات وإتقان عدة مهارات في مقدمتها القفز العالي.
وعلى الرغم من أن الدراسات لم تتوصل حتى الآن إلى تكوين مفهوم واضح عن هذا النوع من الأحلام، أو إلى معرفة الظروف التي تخلقها، يمكن القول إنه إذا ما تعلم الإنسان كيف يستفيد منها عن طريق تذكر تفاصيلها وتفهم مضمونها، يتمكن من تكوين رؤية أوسع عن طبيعة الوعي، ويسهل عليه حل مشاكله بسرعة تفوق التصور.