شوف تشوف

الرأي

عن سراق أموال الجزائريين

توفيق رباحي
كثرت محاكمات رموز نظام الرئيس المخلوع بوتفليقة، وكثرت معها الأحكام القضائية والطعون، ففقدَ الجزائريون «رأس الخيط»، وباتوا عاجزين عن تحديد حجم الإجرام والإدانة.
الأرقام مذهلة والجرائم متنوعة تصيب بالدوار. توزعت بين الاستيلاء على المال العام بغير وجه حق، والتواطؤ في تسهيل ذلك. البطل الرئيسي في الصنف الأول من الجرائم، «رجل الأعمال» علي حداد. والأبطال في الصنف الثاني، التواطؤ، كثيرون، على رأسهم رئيسا حكومتين، وطاقم حكومي كامل تقريبا، باستثناء عدد محدود من الوزراء نجوا لأنهم لم يكونوا معنيين بتوزيع الغنائم.
لم يتواطأ قرابة عشرة وزراء ورئيسا حكومتين مع حداد في سرقة خزائن الشعب، من أجل سواد عيون حداد.. لقد فعلوا بأوامر من سعيد بوتفليقة، الشقيق الأصغر للرئيس المخلوع، تحت العين الساهرة لـ«فخامته». فكيف تجري كل هذه المحاكمات وتنتهي دون حضور «العراب»، إلا مرة واحدة يتيمة جيء به كشاهد فاختار الصمت؟
في مقابل هؤلاء، انفرد القائد السابق للأمن الوطني (الشرطة) اللواء السابق عبد الغني هامل، وزوجته وأولاده، بمسلسل خاص بهم من سرقة المال العام واستغلال النفوذ وإدارة فساد لا مثيل له. عقارات وقطع أرضية وحسابات مصرفية، أرقامها مذهلة وتصيب بالدوار أيضا.
بين جميع الذين وقفوا أمام القضاة والمحققين، لا يوجد واحد أقر بشيء مما نُسب إليه. جميعهم ادعوا البراءة، وكثيرون، خصوصا عبد الغني هامل، منهم أبدعوا في وصف الخدمات الوطنية الجليلة التي قدموها للجزائر!
مهما كانت الأحكام والإدانات قاسية، لن تحقق العدالة التي يأملها الجزائريون، ويصعب أن تعيد إليهم ما سلب منهم. ففي أثناء غرق الكثير من المسؤولين الكبار في السلب والنهب، كانت سيدات جزائريات حوامل يلدن في أبواب المستشفيات وأروقتها. وكان أطفال مصابون بأمراض نادرة منسيين في أكواخ، وأمهاتهم تتضرع للسماء. وكانت عائلات بأكملها ترزح تحت وطأة الجوع وتستجدي لقمة الخبز…
قد يكون سهلا استعادة بعض ما نُهب في الداخل، أما في الخارج فمن شبه المستحيل. تجارب الجيران لا تبشر بالخير، فالقضايا معقدة وتحتاج إلى وقت طويل وصبر كثير وعزيمة لا تنفد وكفاءة دولية خارقة.
في انتظار أن تتوفر للجزائر كل هذه الشروط أو بعضها، هناك حلول وسط، تبدو غريبة للوهلة الأولى، لكنها منصفة للجميع. أغلب المسؤولين الذين تجري محاكمتهم بلغوا منتصف الستينيات من العمر أو تجاوزوه. وبحكم العمر المتقدم، يصبح إيداعهم السجن عائقا ماديا يثقل ميزانية الدولة، التي ستكون مجبرة على الإنفاق على طعامهم وعلاجهم وحراستهم. وسيكون سجنهم عائقا معنويا، قد تترتب عنه ضغوط من هنا أو هناك للإفراج عنهم. وفي كل الأحوال، لا يشرف أي دولة أن يكون العشرات من وزرائها وقادتها الأمنيين والإداريين وراء القضبان في وقت واحد بتهم فساد وسرقة واستغلال الوظيفة.
ماذا لو عوقب هؤلاء بمصادرة ممتلكاتهم المنقولة والثابتة بلا استثناء، والحسابات المصرفية إلى آخر مليم. ثم يُمنح كل منهم راتبا تقاعديا قدره 40 ألف دينار، وهو معدل راتب التقاعد في الجزائر. بعد ذلك يمنحون هم وعائلاتهم، مثل ملايين الجزائريين، سكنات شعبية في أحياء المناطق المتاخمة للعاصمة. فيما لم يمتلك الجزائريون رفاهية الاختيار، لا بأس إن تُرك لهم الاختيار بين تلك الأحياء السكنية المسماة «حي 4 آلاف مسكن»، أو حي «2600 مسكن»، في مناطق براقي وخميس الخشنة وعين النعجة وسوريكال ودرقانة وباش جراح وغيرها. وحفاظا على العدالة يُفضل أن تكون السكنات من النوع الذي يعيش فيه أغلب الجزائريين بالمدن، أي شقق من طراز ثلاث غرف مساحتها الإجمالية لا تزيد عن 75 مترا مربعا، بعضها في الطابق السادس والسابع بلا مصاعد. ولمزيد من العدل، يُجبر هؤلاء «السادة» على العيش مثل عامة الجزائريين في تلك الشقق: جيلان وأحيانا ثلاثة أجيال في شقة واحدة.. الأب والأم وأبناء، بعضهم متزوجون، وكنات وبنات مراهقات وأطفال في سن المدرسة، يستعملون جميعا الحمام ذاته وصالة الجلوس نفسها، ويقفون في طابور الصباح لدخول المرحاض الوحيد، بلا أدنى خصوصية وراحة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى