يونس جنوحي
بعض التقارير الدولية التي تتناول حالات الرفق بالحيوان اهتمت أخيرا بالمغرب، خصوصا مع انتشار أخبار وصور الكلاب الضالة التي كانت موضوع حالات اعتداء على المواطنين، وتسببت لهم في جروح خطيرة.
والحقيقة أن التقارير الدولية تهتم في الغالب بالسلالات النادرة لبعض الحيوانات، مثل الأسود والقردة، وليس الكلاب الضالة التي تهدد سلامة المواطنين. إذ إن بعض المدن حاليا تعاني من انتشار مهول لجحافل من الكلاب الضالة تجعل التنقل بين الأحياء، سيما في ساعات الصباح الأولى، مهمة مستحيلة.
السلطات العمومية تحركت في أكثر من مناسبة لجمع الكلاب الضالة، وهناك جمعيات للرفق بالحيوان نددت بما أسمتها خروقات، أثناء عملية جمع هذه الكلاب الضالة. والمثير فعلا أن بعض الجماعات الترابية تكلف الأعوان بقتل الكلاب الضالة، وتمنحهم مبلغ عشرة دراهم لـ«الراس». وهناك جماعات أخرى عملت على شحن الكلاب الضالة في شاحنات، ورميها بعيدا في الخلاء. لكن هذا الحل الأخير يتسبب في مشاكل أخرى، تعرض حياة المشاة على مقربة من الطرق الوطنية للخطر. والخبر الذي انتشر، قبل شهرين، بخصوص نقل الكلاب الضالة في أكادير إلى كندا، ظهر أنه خبر غير صحيح للأسف، وبالتالي فإن كلاب المدينة سوف تضطر إلى التعايش، إن بقيت على قيد الحياة طبعا، مع المغاربة لوقت أطول.
يحدث هذا في وقت لا أحد يهتم بنهاية الأحصنة التي تحال على التقاعد، بعد أن تصبح غير قادرة على جر عربات نقل مواد البناء والسلع. هناك آلاف الأحصنة في المغرب يتم التخلي عنها سنويا، وتنفق في الطرقات وقرب الوديان وفي مجاري المياه الصالحة للشرب أحيانا. وقد تكون تلك الأحصنة محظوظة إن كُتب لها الموت قرب مجرى الوادي، الذي ينقلها إلى المصب في فصل الشتاء. إذ في أسوأ الحالات تسقط هذه الأحصنة والحمير المتخلى عنها بين أيادي الجزارين أصحاب الذبيحة السرية، فيبيعونها إلى المستهلك على أساس أنها لحم بقر من النوع الممتاز.
لم نعد نسمع عن مراكز العناية بالحيوانات المتخلى عنها في المغرب، وهذا أمر مؤسف. إذ كانت مدينة فاس سباقة في هذا الباب منذ سنة 1927، تاريخ تشييد وتدشين «الفندق الأمريكي»، الذي بنته سيدة أمريكية اسمها «إيمي بيند بيشوب»، وهذه السيدة لفت انتباهها، أثناء زيارتها إلى مدينة فاس العتيقة، أن الناس يتخلون عن البغال والحمير المنهكة والمريضة ويتركونها تنفق بين الأزقة الضيقة، ويصبح أمر نقل جثامينها بعيدا عن المنازل مهمة صعبة. فبادرت إلى تحويل كل مدخراتها المالية إلى المغرب، وراسلت عائلتها تطلب منها مدها بمزيد من المال، وعملت على شراء الأرض التي بُني فوقها «الفندق»، وسهرت بنفسها على إيواء الحيوانات المتخلى عنها، بما فيها الكلاب الضالة. وفي مدة قصيرة استطاعت إقناع أصدقائها في الولايات المتحدة لكي يلتحقوا بها، بل ويتبرعوا لوضع ميزانية للفندق، لكي يستقبل المزيد من الحيوانات.
هذا الفندق لا يزال قائما إلى اليوم، ويشرف عليه ابن السيدة «إيمي» ويشتغل فيه متطوعون أمريكيون وبيطريون مغاربة. وأخيرا برزت مبادرات في أكثر من مدينة مغربية لإيواء الحيوانات المتخلى عنها، وعلاج الكلاب والقطط التي تجوب الشوارع، وتحمل معها ندوبا وأمراض جلدية تعرض حياة كل من احتك بها للخطر.
ورغم هذا التاريخ الطويل للرفق بالحيوان، ما زال موضوع إيواء الكلاب الضالة مصدر تنكيت وسخرية بين المغاربة، خصوصا وأن حالة بعض المستشفيات العمومية لا تسر أحدا، ولم يعد سرا أن بعضها لا تصلح حتى لاستقبال الحيوان، فما بالك بتوفير العلاج للمواطنين.
إذا كان المواطن يفضل التوجه إلى المصحات الخاصة بدل العلاج في المستشفى العمومي، فكيف سوف تقنعه بضرورة توفير العلاج للحيوانات الضالة والمتخلى عنها، في وقت لا يزال فيه ملايين المغاربة تشكل «قلة الصحة» هاجسهم الأول.