شوف تشوف

الرأي

عن تدريس العلوم بالفرنسية

عندما أعلنت وزارة التربية الوطنية عن قرارها بتعميم تدريس المواد العلمية بالفرنسية، خرج البعض ليندد بـ«الهجمة الشرسة» التي تتعرض لها اللغة العربية، بل منهم من ذهبت به العاطفة حد اقتراف محرمات السياسة والدين، من قبيل الشتم والسب في حق الوزير، ولم يسائلوا أنفسهم، وفيهم «باحثون» طبعا عما قدموه للغة العربية لتواكب علم ومعرفة اليوم. ولأن أغلب هؤلاء، ويا للصدفة، ينتمون إلى نفس الحزب «الدعوي» لوزير التعليم العالي، فإنهم نسوا أن يسائلوه، وهو الخبير الاقتصادي الذي أنجز أطروحته عن الاقتصاد الإسلامي باللغة الفرنسية، يسائلوه عن حصيلة عمله، طيلة أربع سنوات، على رأس وزارة تعنى بالبحث العلمي، وتحديدا حصيلة عمله في تشجيع إنتاج العلم والمعرفة العلمية والتقنية باللغة العربية، ثم حصيلة عمله لتشجيع ترجمة العلوم والمعرفة للغات الضاد. طبعا الداودي غير معني تماما بهذا الاندفاع الذي يقوم به البعض زورا، وهم يدافعون عن اللغة العربية، لكونه ما فتئ يدعو إلى تعلم الإنجليزية لكونها لغة المعرفة اليوم، أما «منتدبته»، خريجة شعبة الدراسات الإسلامية، فليس لها رأي، لكون سعادتها أحادية اللغة، وبالكاد تستطيع فك شيفرات المراسلات المفرنسة.
لكن بعيدا عن المزايدات، لنطرح السؤال التالي: هل العلوم الطبيعية والعلوم الفيزيائية والرياضية والإنسانية التي يتم تدريسها اليوم في مدارسنا، وخاصة في التعليم الثانوي، هي حقا علوم، أم مجرد تاريخ لهذه العلوم؟ بمعنى هل نواكب تطور هذه العلوم، والتي لا يساهم فيها العرب إطلاقا، بالترجمة الموازية كما تفعل إسبانيا والبرتغال مثلا، وهما دولتان ضعيفتان جدا من حيث الإسهام في حركية العلوم والمعرفة اليوم؟ فإذا عدنا لبرامج المدرسة اليوم، سنجدها مترجمة في بداية سنة 2000، باستثناء بعض التحيينات التي تخضع لها الكتب المدرسية أكثر مما تخضعا لها البرامج ذاتها لأهداف تجارية محضة. والسؤال الذي يطرح هنا، هل توقفت المعرفة العلمية عند القرن العشرين؟ هل توقف العلم في خمس عشرة سنة الأخيرة؟ ثم هل يُدرس أساتذة الرياضيات والفيزياء والطبيعيات باللغة العربية فعلا؟ هل يكفي أن ينطقوا روابط من قبيل «لدينا» و«بما أن» و«حيث إن» وغيرها، في حين أن باقي الدروس والتمارين باللاتينية، يجعل من لغة تدريسهم عربية؟
المؤسف حقا، هو أن نقاشنا حول لغة التدريس دوما ما يسقط البعض في المزايدات التي تخرجهم عن سبيل النقاش العلمي والتربوي الحقيقي، ولا يسائلون أنفسهم لماذا يدرسون أبناءهم اللغتين الإنجليزية والفرنسية في التعليم الخاص، في حين يدافعون عن التعريب في المدارس العمومية؟ فأين قيم الإنصاف وتكافؤ الفرص في أن نتشبث بتعريب المدرسة العمومية مع علمنا بانعدام الآفاق، التكوينية والمهنية لأحاديي اللغة؟ ثم هل يمكن للمدافعين عن الإبقاء على تعريب تدريس العلوم في التعليم الثانوي أن يقولوا لنا عن التخصص العلمي أو التقني الذي يمكن اليوم تعلمه باللغة العربية؟ وهل يمكن لطالب جامعي التفوق في شعبته العلمية أو التقنية، والتوفق في ولوج سوق الشغل اليوم، إذا كان يتقن اللغة العربية وحدها؟ ألم يحن الوقت لتجسير التعليمين المدرسي والعالي عبر بوابة لغة التدريس؟
هل نحن أشد إيمانا بلغتنا الرسمية من عشرات الجنسيات الأوربية التي تتعلم اللغات الحية منذ التعليم الابتدائي؟ فما لا نعرفه للأسف عن حقيقة الوحدة الأوربية، هو أن هذه الوحدة لم يكن لتتحقق لو لم يتم إيجاد جسور لغوية، أولها على مستوى المدرسة، تتيح للتلميذين الفرنسي والألماني مثلا تعلم العلوم التي تنتج بلغات جيرانهما، وثانيها على مستوى مؤسسات ضخمة للترجمة تواكب البحث العلمي تستدمج الإنتاج العلمي في اللغات الأصلية. وهم بهذا ضمنوا تجدد لغاتهم وانفتاح أفكارهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى