عندما يحمي بنكيران شباط
لا أعرف ما هو موقف رئيس الحكومة المعين عبد الإله بنكيران مما وجهه حميد شباط، أو هبيل فاس كما لقبه، من اتهامات للدولة المغربية بخصوص اغتيال السياسيين في واد شراط.
اليوم وزارة الداخلية طلبت من وزارة العدل فتح تحقيق مع شباط، وعائلة أحمد الزايدي الذي توفى غرقا بالقرب من واد شراط رفعت دعوى قضائية ضد شباط، فماذا تنتظر عائلة باها، وماذا ينتظر بنكيران الذي ظل يقول إن الراحل كان توأم روحه، ليضع شكاية ضد شباط لمطالبته بتقديم الأدلة التي بحوزته حول تورط الدولة في اغتيال قيادي مؤسس في حزبه؟
هناك بدون شك تواطؤ بين شباط وبنكيران، ولعل أشنع تواطؤ لحزب بنكيران مع فساد شباط هو ترقيد الإدريسي الأزمي عمدة فاس الحالي لملفات سلفه شباط في رئاسة المدينة، والتي يمكن أن يرسل ملف واحد من ملفاتها المليئة بالخروقات شباط إلى غياهب السجن مائة عام.
وبالمقابل انشغل عمدة فاس الذي يجيد «التنخصيص» بصالونات الحلاقة والماصاج عوض أن ينشغل باسترجاع ما نهبه سلفه شباط من مدينة فاس وساكنتها.
ويبدو أن تحريك ملفات الاختلالات أو التهديد بتحريكها من طرف مسؤولي العدالة والتنمية تحكمه مصالح حزبية ضيقة وليس الصالح العام، والدليل على ذلك ما يحدث في طنجة عندما لم يستسغ إخوان نجيب بوليف برلماني طنجة أن تفتح المفتشية العامة للإدارة الترابية تحقيقا حول استفادة جمعية «أحمد بوكماخ» المقربة من حزب العدالة والتنمية من غلاف مالي قدره 240 مليونا، فشرعوا يهددون الوالي اليعقوبي بإشهار ملفات اختلالات مشاريع «طنجة الكبرى» التي كلفت المليارات.
ونحن مع هؤلاء الإخوان في كشف ملفات اختلالات مشروع «طنجة الكبرى»، ومستعدون لنشر هذه الاختلالات إذا ما تحلوا بالرجولة ومكنونا من الوثائق والإثباتات، لكننا بالمقابل نطالبهم بأن يكونوا عادلين وأن يفضحوا جميع المسؤولين الحاليين أو السابقين الذين لديهم حولهم ملفات فساد، وعلى رأسهم شباط، لا أن يشتغلوا بمنطق انتقائي حسب «وجه الكليان».
وهناك اليوم العشرات من المقاولين العقاريين الذين استلم شباط شيكات منهم على سبيل الضمانة مقابل التراخيص بانتظار أن يدفعوا له بعد إنهاء البناء والبيع، لكن عندما فشل شباط في العودة إلى العمودية وحل محله الأزمي البكاي جمد تلك الرخص بعد اكتشاف اختلالات في مساطر تسليمها، فوجد هؤلاء المقاولون أنفسهم بدون رخص للبناء فيما شيكاتهم ما زالت بين يدي شباط.
وما يجب القيام به اليوم لتخليص هؤلاء المقاولين من ابتزاز شباط، فهم ضحايا قبل أن يكونوا شركاء في الجريمة، هو أن تعطيهم وزارة العدل الأمان وتدعوهم للإفصاح عن قيمة الشيكات التي أعطوها لشباط على سبيل الضمان وأرقامها لكي يتم إلغاء استخلاصها من طرف شباط لدى البنوك.
إن صمت العمدة الأزمي عن ملفات فساد شباط طيلة 12 سنة من عمودية فاس، لأن الأزمي المخول الوحيد قانونيا لتحريك المتابعة ضد شباط، يعتبر تسترا على جرائم معمارية وعقارية ومالية تقع تحت طائلة القانون، وغدا قد يأتي عمدة جديد لفاس ويتابع الأزمي بجريمة التستر وعدم التبليغ.
نحن نعرف أن العمدة الأزمي رقد ملفات سلفه شباط بأمر مباشر من بنكيران، الذي طلب شخصيا عدم الطعن في فوز شباط بمقعد فاس الشمالية، في إطار تحالف قبلي بين شباط وبنكيران يقضي بإدخال حزب الاستقلال إلى الحكومة.
ولذلك فبنكيران يتحمل مسؤولية التستر على ملف خروقات شباط التسييرية بفاس مقابل أن يخوض هذا الأخير نيابة عنه معركته العنترية ضد الدولة.
فكل ما يعجز بنكيران عن الإفصاح عنه يصدح به شباط اليوم، من اتهام مباشر للدولة بتصفية الزايدي وباها بواد شراط، وبوجود مخطط لاغتياله هو كذلك.
يريد شباط بعنترياته الأخيرة أن يظهر بمظهر البطل المغوار الذي لا يخشى عاديات الزمان، والحال أن تاريخه ليس فيه ما يحيل على الشجاعة بقدر ما يوجد في تاريخه ما يدل على الجبن الذي يسكن قلبه.
فعندما تواطأ شباط مع إدريس البصري لإحراق فاس نكاية في عاملها الذي كان آنذاك يستقوي بنفوذه داخل الدوائر العليا ولا يعير وزير الداخلية القوي أية قيمة، اختفى في بيت بيعقوب المنصور بالرباط، وعندما اعتقلت السلطات زوجته بقي مختبئا في جحره، وعندما اعتقلوا ابنه قال لهم «شدو حتى خوتو الخرين»، وهذا يدل على أن الرجل مستعد للتضحية بزوجته وأبنائه من أجل بقائه لوحده.
وها هو اليوم يبدي استعداده للتضحية بحزب عريق عندما بدأ يلصق بظهر الحزب مواقف انقلابية وانفصالية وعدائية ضد الدولة التي يتهمها بالتصفية الجسدية للسياسيين معرضا الحزب لخطر الحل من طرف وزارة الداخلية.
لذلك فما يقوم به مؤخرا من «تشيار بالحجر» لا يحسب على الشجاعة بل على التهور، أو كما يسميه المغاربة «ضربة المخلوع»، ولذلك سارع إلى سحب المقال الذي يتهم فيه الدولة بتصفية السياسيين من الموقع الرسمي للحزب.
شباط عندما حوكم محاكمته الصورية بعد أحداث 1990 اضطرت المحكمة أن تعين له محاميا بالمجان في إطار المساعدة القضائية ومن طرائف الصدف أن المحامي الذي وقع عليه اختيار رئيس الجلسة عبد النور اسمه الأستاذ عبد الله البقالي، وهو محام بفاس لا علاقة له بصديقنا الصحافي المستبصر مول جريدة شباط حاليا، عبد الله البقالي، الملقب بالبقيقيلي اختصارا.
ولذلك نجده يتبرك بهذا الاسم في الدفاع عنه عند كل ورطة يقوده إليها تهوره السياسي. وإذا كان شباط قد استفاد من المساعدة القضائية التي توفرها الدولة للمتهمين الفقراء في منتصف التسعينات فإن احتساب مراكمة الثروة يجب أن يكون بداية من هذه المرحلة التي تعتبر بداية رسمية لصفر درهم في رصيد الرجل.
والدليل هو أنه عندما أصبح دومالي عين 8 نقباء و22 محاميا فقط من أجل وضع شكاية ضد عبد الإله بنكيران بتهمة السب والقذف والتغاضي عن التبليغ عن جرائم نسبها رئيس الحكومة لشباط، كما كلف فريقا متنوع الاختصاصات للدفاع عن أبنائه في الملفات المفتوحة ضدهم.
ومثلما هناك فرق بين الشجاعة والتهور هناك أيضا فرق بين الذكاء والمكر، ولذلك فما قام به شباط وفريقه مؤخرا من خلال إثارته لتهمة التصفيات الجسدية بواد شراط، هو مجرد محاولة لإنجاز هجوم مضاد، باعتماده خطة تسمى «فضيحة داخل الفضيحة»، غايتها ظهور شباط بمظهر الضحية، في محاولة لصرف انتباه الرأي العام عن السؤال الحقيقي والمزعج والخطير والذي هو كيف أصبح شباط وزوجته وأبناؤه مليارديرات ؟
ونحن في هذه الجريدة لن ينجح شباط في إلهائنا بواد شراط أو واد النفيفيخ أو واد أم الربيع أو غيرها من الأودية والضايات عن مطالبته بالجواب عن مصادر ثروته القارونية، لأن ادعاءه أن زوجته اشترت كل تلك الشقق والفيلات والأراضي براتب 48 ألف ريال الذي كانت تتقاضاه كموظفة، وأن أبناءه أصبحوا يملكون كل تلك العقارات والشركات والحسابات البنكية لمجرد أنهم أصبحوا راشدين وغير محتاجين لوالدهم لكي يلعبوا مع الكبار، لن يقنع حتى الأطفال فبالأحرى أن يقنع الراشدين الذين يميزون بين المال المحصل من عرق الجبين والمال المحصل من الابتزاز والنصب واستغلال النفوذ.