شوف تشوف

الرأي

عندما زارنا صديق الرئيس الأفغاني

يونس جنوحي
لا يوجد أسوأ حظا هذه الأيام من الرئيس الأفغاني «أشرف غني»، إذ يصفه كل الإعلام بـ«الفار» والهارب.
أفغانستان، البلد الذي شغل الدنيا والناس لعشرين سنة بالضبط، لا يزال محط أنظار العالم، بسبب «طالبان» التي يتردد اسمها في الإعلام، منذ الحرب الأمريكية ضد السوفيات إلى اليوم.
أشرف غني، كان صديقا حميما للباكستاني إقبال أحمد. وهذا العالم الكبير كان يزور المغرب والجزائر منذ ستينيات القرن الماضي، حتى أن الجزائر عرضت عليه منصبا وزاريا، بعد حصولها على الاستقلال، لكنه فضل التوجه إلى الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1963، وأكمل تعليمه العالي هناك وعمل مدرسا في جامعات أمريكية مرموقة. وهناك من تحدث أيضا عن علاقة بين إقبال أحمد وشخصيات مغربية، حيث كان يرغب في فترة من الفترات في لقاء الملك الراحل الحسن الثاني، بحكم أنه كان يبحث في الفكر الديني المعتدل، وكان يرى في النموذج المغربي، والمذهب المالكي، أفضل مسالك ممارسة التدين.
ما علاقة إقبال أحمد بأفغانستان؟ لقد كان من بين المنظرين الكبار للوضع السياسي في أفغانستان، منذ الحرب ضد السوفيات وتمويل الولايات المتحدة لجماعة طالبان، لكي تقاتل ضد الروس بشراسة في الجبال. وبحكم أنه كان يعرف الأفغان جيدا، فقد كانت شقته مقر زيارة دائم للصحافيين الأمريكيين والمحللين السياسيين وأساتذة العلوم السياسية، الذين أعدوا أطروحات جريئة عن التدخل الأمريكي في أفغانستان خلال الثمانينيات.
وازداد الطلب على إقبال أحمد، عندما نشرت الصحافة الأمريكية أنه تمكن من لقاء أسامة بن لادن سنة 1986، حيث أجرى الاثنان مقابلة استعان بها إقبال أحمد في صياغة أطروحة سياسية نشرها لاحقا.
اللقاء كان في الحدود الباكستانية الأفغانية. وإلى حدود نهاية التسعينيات كان إقبال أحمد يحذر في كتاباته مما قد يقع في العراق من حروب طائفية، في حال التدخل الأمريكي، وانتظر الأمريكيون سنوات طويلة لكي يتأكدوا من تحقق نبوءة هذا المفكر الباكستاني.
والأمر نفسه قاله عن الأفغان، إذ كان دائما يستنكر من داخل الولايات المتحدة التي فتحت له جامعاتها، تدخل البيت الأبيض في الشأن الباكستاني الأفغاني.
إذ إن باكستان ساهمت في تمويل طالبان في أكثر من مناسبة، والأمريكيون يحاولون اليوم وهم ينعتون طالبان بالتشدد والإرهاب، مسح صفحة من التاريخ، حيث كانوا يملون عن طريق «CIA» تحركات حركة طالبان في الجبال، لوقف المد الروسي أيام الاتحاد السوفياتي.
كتب أستاذ جامعي أمريكي، هو الصديق ستيوارت شار، أحد كبار الأكاديميين الأمريكيين المهتمين بالمغرب، وقد تعرفت عليه عندما نشرنا مذكرات الصحافية الأمريكية «مارفين هاو»، إذ أكد لي أنه كان يلتقي بالمهدي بن بركة في شقتها بباريس، قبل اختطافه بسنة فقط.
هذا الأكاديمي الأمريكي سبق له أن تابع الشأن الأفغاني، وكان صديقا مقربا لإقبال أحمد، قبل أن يختار الأخير العودة إلى باكستان في السنوات الأخيرة من حياته، حيث توفي بها سنة 1999.
واليوم ينقل ستيوارت شار شهادة مؤثرة في حق صديقه الباكستاني، الذي كان يمثل الإسلام المعتدل. إذ كان يستقبل في شقته الرئيس الأفغاني الحالي الهارب من طالبان، وكانا يجلسان بالساعات للتداول في الشأن الداخلي الأفغاني، وتدخل أمريكا في المنطقة.
لقد احتاج الأمر 30 سنة على تلك اللقاءات، لكي يتحقق ما كان يخاف منه إقبال أحمد، رغم أنه لم يكن أفغانيا، لكنه كان يحب زيارة المناطق الحدودية لبلاده باكستان مع الأفغان.
ها قد انسحبت الولايات المتحدة الأمريكية من أفغانستان، وأعادت الدبابات الأمريكية معها شعارات الديموقراطية، التي قيل في 2001 إنها سوف تُدخلها إلى منازل الأفغان. لكننا رأيناهم الآن في التلفاز يسقطون من أعلى أجنحة الطائرات الأمريكية وهي تُخلي البلاد، حاملة معها الديموقراطية في حقائب موظفي السفارة، ولم تترك للأفغان سوى الغبار وجثث الذين سقطوا من ذلك الارتفاع، وبنادق «طالبان» التي يبدو أنها سوف تحكم البلاد لسنوات، قد تطول.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى