علّمني كورونا
علي كرزازي
«كورونا أكبر دكتاتور في التاريخ… لقد استطاع، رغم كونه كائنا صغيرا ولامرئيا، أن يكمم الأفواه ويكتم الأنفاس ويفزع القلوب في وقت قياسي». ع.ك
علّمني كورونا: أن الوطن أكبر من خريطة جغرافية نرسمها في الدفاتر.. أكبر من حوزة نذود عنها بالسلاح… أكبر من نشيد نصدح به في المناسبات. الوطن هو تلك القلوب الرحيمة التي تتكلم لغة العطف والود والأخوة في أجمل معانيها، ما يعني تمثل المواطن الصالح لأسمى معاني الرحمة والتقيد بها في معاملاته وسلوكه، وذلك نتيجة إيمانه الراسخ بأن المحبة باب مشرع على الإنسانية وفسحة رحيمة في اتجاه أخيه الفقير، طافحة بالتعاطف والتحابب والبذل والحدب.
– أن العلم كما قال الشيخ ابن عربي بحر لا ساحل له، فمن كان يظن أن كائنا صغيرا غير مرئي سيعنت العالم بأسره كل هذا العنت… ليتأكد للجميع أن عالمنا هذا لم يعد فيه مكان للمسلمات واليقينيات، ومن ثمة باتت المعرفة نسبية.
– أن أكتشف معنى الخلوة والعزلة التي كانت في ما سبق حكرا على الشعراء والمتصوفة، وها قد اختلى كل منا بنفسه، فأحس وكأن الزمن توقف من حوله، إنها وقفة
الاعتراف الصريح ومراجعة الحسابات لنقف على الأخطاء التي ارتكبناها في الماضي ونعد العدة للمستقبل وفق رؤية واضحة، وإذا كان البعض قد استبد به الجزع وران على قلبه الاكتئاب، فليس أقل من أن يجدد إيمانه بالله العلي القدير فيناجيه في السحر، ويجني ثمرات الخلوة بالنفس، تلك الثمرات التي حددها علماء النفس في: الشعور بالراحة وتحقيق التوازن النفسي، عدا عن إعادة شحن الطاقة وتعزيز القدرات الإبداعية: كأن نكتب، نرسم، نغني، نتفرج….إلخ.
– أن منطق القوة لا ينتصر دوما، فكورونا أثبت في وقت قياسي أنه أكبر دكتاتور في التاريخ، فلا هتلر ولا موسيليني قادران على بزه، لقد استطاع أن يكمم أفواه الجميع طوعا وكرها وأن يكتم أنفاسهم ويبث الذعر في قلوبهم.
– أن من كانوا يصرخون ويقولون إن التعليم والصحة هما الرجلان اللتان يقوم عليهما جسم الدولة كانوا على حق، وقد أثبت واقع الحال أن بلادنا يلزمها الكثير الكثير للنهوض بهذين القطاعين الحيويين الحساسين، بعيدا عن المزايدات والحسابات السياسية الضيقة.
– أن أرأف بزوجتي وأساعدها في سياسة شؤون المطبخ وإلا فسأموت جوعا.
– أن أنصت لهؤلاء الصغار وأساعدهم على فهم دروسهم، وأنا الذي كنت لا ألقي لهم بالا وهم في غرفتهم المغلقة.
– أن لا أيأس ولا أحزن، فلنشعل شمعة بدلا من أن نلعن الظلام، ولننفتح على الحلم بالغد فالأعمار بيد الله، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا تَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَغْرِسْهَا).
– أن أتخذ مسافة عن الآخرين حتى أراهم جيدا فيرونني كذلك، إنها المسافة النقدية التي تسمح لنا بأن نرى بعضنا البعض على حقيقتنا.
– أن أحمد الله على نعمة الصحة والعافية والسلامة حين أصحو وحين أنام.
– أن السخرية والاستهزاء داء خطير يعود على صاحبه بالشر المستطير، ألم تسخر دول عاتية من هذا المخلوق الصغير فأغار عليها فلم تقدر على مجابهته؟ فكانت النتيجة: آلاف الضحايا والمرضى، وانهيار البورصات المالية وتكبد الاقتصادات للخسائر الفادحة؟…
– أن بلادي لا تعدم شرفاء يسطع بدرهم في الليلة الظلماء، فيجودون بالنفس وإن غلت، يواجهون الخطر بصدور عارية وبقلوب جريئة…
– وأعلمني أن قبيلة الفقراء في بلادي تتزايد أعدادها والفوارق الاجتماعية باتت واضحة، ففي الوقت الذي كان فيه الموسرون يتجولون في دعة وهدوء في كبريات المتاجر للتبضع بالأساسيات والكماليات على حد سواء، كان الفقراء من «الرميديين» وغيرهم، يتزاحمون أمام مقرات الأبناك وشبابيكها الأوتوماتيكية لاستلام ما يسدون به رمقهم !! الفقر يا أحبابي داء لا يقل خطورة عن كورونا. ألم يقل الإمام علي كرم الله وجهه: «لو كان الفقر رجلا لقتلته»؟
– أن الآتي سيكون أدهى وأمر، فلكورونا حتما ما بعده، فليتجند دهاة التخطيط ودهاقنة السياسة لوضع الخطط وإيجاد الحلول الاستباقية للمعضلات الاقتصادية والاجتماعية التي ستطل برأسها حال رحيل كورونا… وهنا نستحضر روح الفقيد الدكتور المهدي المنجرة رائد المستقبليات، والذي كان يلح علينا دوما بأن نبقي عينا مفتوحة على الغد /المستقبل وما سيحبل به.
– علمني ما علمت، وما نسيت، وما تجاهلت وجهلت، وما لم يكن لي به علم، والعرب تقول: «لقد أعذر من أنذر».
وبعد، فان دروس غريمنا كورونا أكبر من أن تحصى وتعد «ولله في خلقه شؤون».