جمال أكاديري
للأسف، الأزمة الدبلوماسية بين المغرب وألمانيا استمرت لعدة أشهر، في عهد حكومة ميركل، دون أي بوادر إيجابية، حينها، تشير إلى انفراج قريب بين البلدين. حتى اعتقد المراقبون أن الأزمة تبدو بعيدة عن الحل، خاصة وأن السلطات المغربية تصر على ضرورة إعادة تحديد مجمل العلاقات الثنائية مع دولة كألمانيا من جديد، في سياق جيو سياسي عصيب، وفي إطار نظرة شمولية، تأخذ بعين الاعتبار والأولوية، شؤونها الوحدوية والسيادية، التي ليس ثمة تفاوض حولها، مع الدعوة إلى خلق مبادرة تظهر حسن النوايا، تعيد بناء علاقات ثقة متينة وواضحة مع العاصمة برلين، بعيدا عن المواقف الضبابية، حتى تقوم دوما على مبدأ المعاملة بالمثل، والتفاهم المتبادل، وليصير هذا هو الحافز الذي سيؤمن السبيل، لتصحيح انحراف مسار العلاقات الماضية، وفتح المجال لأي حكومة منتخبة، بعد رحيل المستشارة الحديدية ميركل، ولطي صفحة الخلاف السابق مع فريقها الحكومي .
فكان من المتوقع أن تتناسل وتثار عدة تساؤلات حول الموقف المنتظر لحكام ألمانيا الجدد، تجاه قضايا المغرب الحيوية، وذات الأولوية بالنسبة إلى شعبه، بعد انسحاب حكومة أنجيلا ميركل من تولي مقاليد السلطة، ودخول الواجهة السياسية الألمانية، تحالف يساري جديد، بقيادة اشتراكيين معتدلين، من الحزب الاشتراكي الديمقراطي المتحالف مع حزب الخضر وفريق الليبراليين .
ويعتقد بجد، أن حكاما ذوي اتجاه يساري معتدل ومتزن يقودون هذا الائتلاف الحكومي، سيطرقون الأساليب الأكثر مرونة والأقل عدائية، في التعامل مع تحركات الدبلوماسية المغربية على الصعيد الدولي، في تعزيز مكانة الثوابت السيادية.
لكن ما يثير تخوفات (أحيانا معقولة) حول أن الأزمة السابقة لن تبرح مكانها، هو أن المستشار الألماني الجديد استسلم لضغوطات حليفه في الائتلاف الحكومي، حزب الخضر، (حليفه الأساسي والقوة السياسية صاحبة الثقل الاعتباري في هذا الائتلاف) وأخذ في الاحتكام، موقفه العلني، المعروف بدعمه لخصوم الوحدة الترابية المغربية، مما قد يزيد مستقبلا من تعقيد العلاقات مع دولة المغرب، في سيناريو مشابه لسيناريو الأزمة الذي حبكه حزب بوديموس اليساري في إسبانيا.
فهل مستقبل العلاقات يتوقف على من سيتولى حقيبة الخارجية في الحكومة الجديدة، أم أن فرصة الدبلوماسية الألمانية الجديدة تكمن طبعا في تجديد العهد مع المغرب، انطلاقا من نقطة أراها حاسمة، وهي أن لا تترك مواقفها عرضة لتشويش، يحيدها عن جادة الصواب الدبلوماسي، حتى لو كان مصدره شكاوى حلفائها، وانحيازهم الجاهل، بتعقيد قضايا المنطقة وبعمقها الضارب في التاريخ العريق؟
كما كان الحال، مع الحكومة الإسبانية عبر حليفها حزب بوديموس، الذي كان يدعم بقوة، انفصالية خصوم الوحدة الترابية، عوض تغليب المقترح المغربي في الحكم الذاتي، الذي انبنى عليه الإجماع، وتحت شرعية سيادته، مع تشجيع التحاق اللاجئين بربوع الوطن الواحد.
الخلاصة أن الاشتراكيين الديموقراطيين والليبيراليين الألمان أكثر مرونة وبراغماتية من جماعة حزب الخضر، ولهذا على رئيسهم المستشار الألماني الجديد، الذي خلف أنجيلا ميركل، أن لا يكرر أخطاء فريقها الدبلوماسي السابق، وأن يلزم حلفاءه بمراعاة مواقف الدول الكبرى، كما فعلت الولايات المتحدة، في ما يتعلق بشؤون المغرب السيادية، والاعتراف بقضية وحدته الترابية التي لا تفاوض حولها .