حسن البصري
كلما لاحت في الأفق تباشير احتضان تجمع رياضي أو سياسي أو ثقافي عند جارتنا الشرقية، إلا وتجند المنظمون وبحثوا عن مقص ومسطرة وشرعوا في بتر الجزء الأسفل من خريطة المملكة الشريفة.
عندما قررت الجزائر عقد القمة العربية في مارس المقبل، داهم المنظمين شبح الخريطة الرسمية المعتمدة من طرف الأمانة العامة للجامعة العربية، وبحثوا عن طريقة لإعادة رسم خريطة تحقق فيها هواية بتر الأطراف الخلفية وتجفيف دمع البحار ومسح رمال الصحاري وتدمير الواحات.
في كل مناسبة يتسابق جراحو النظام الجزائري ليعبثوا في جسد وطن في كامل لياقته وعنفوانه، يمارسون هواية بتر الأعضاء ويتبرعون بها لشرذمة تعشق جمع الإعانات وتقتات من الاستجداء.
لم يقتصر التحرش بالخريطة على التجمعات السياسية، بل امتد إلى الملتقيات الرياضية، ففي كل دورة تنبت النعرات وتسقى من مجاريها العفنة. لقد شرع النظام الجزائري في غرس بذور العداء، حيث نشر الموقع الرسمي لدورة ألعاب البحر الأبيض المتوسط التي ستحتضنها وهران في الصيف القادم، خريطة المملكة المغربية مبتورة، في محاولة جديدة لمزج السياسة بالرياضة.
أنشأ النظام الجزائري خلية تابعة في جرها ونصبها لوزارة الخارجية، مهمتها رصد مشاركة الأندية والمنتخبات الجزائرية في التظاهرات الخارجية، وحقن اللاعبين والمدربين والمرافقين بالجرعة العاشرة من لقاح الحقد.
لا خوف عليهم فمختبرات الدورات الرياضية لا تجرم التعاطي لمنشط الضغينة، وجمارك المطارات لا يصادرون الخرائط المبتورة، لأن حقيبة الرياضي في زمننا أضحت حقيبة ديبلوماسية.
يعتقد متعهدو الحفلات العربية في الجزائر، أن بتر خريطة المغرب شرط عين، وأنها فوز معنوي قبل بدء التظاهرات، لكنهم لا يعلمون أن عشق الوطن خريطة لا تتغير وتاريخ لا يموت في وجدان الشعوب.
وحين احتضن حكام الجزائر الكأس العربية وتأملوا خريطة المغرب الكاملة المنحوتة، ابتلعوا ريقهم وبحثوا عن نحات قادر على فصل المغرب عن صحرائه، حتى لا تستفز الخريطة مشاعرهم وتنكس أعلام فرحتهم.
يجد الجزائريون فرصة للانسحاب من التجمعات القارية والعربية، يكفي أن تظهر خريطة المغرب كاملة الأوصاف والأطراف، حتى يحزموا حقائبهم ويعلنوا الانسحاب بعد إشارة من حكام الجزائر، ففي مثل هذه المواقف تكون بيانات التضليل جاهزة ومبرراته تافهة.
في طواف الجزائر للدراجات الهوائية، شعر المنظمون بارتفاع أسهم الدراجين المغاربة وسيطرتهم على مراحل السباق، فانتابهم رعب فوز المنتخب المغربي بالطواف وقرروا مصادرة الفرح المغربي، فأشهروا الخريطة المبتورة في مدخل مقر إقامة الوفود الأجنبية، وحين احتج رئيس الوفد المغربي ونقل الغضب إلى السفارة قال المنظمون إن الخريطة لا تفسد للود قضية، وقبل أن يسدل الليل ستائره غادر المنتخب المغربي الفندق احتجاجا على اللجنة التنظيمية التي لا فرق بينها وبين عجلات الدراجات الهوائية إلا بكمية الهواء الفاسد.
لا يعلم منظمو التظاهرات العربية والقارية بأن خريطة الجزائر التي تعاني من السمنة، يعود الفضل فيها للقوى الاستعمارية الفرنسية، التي كانت تعتبر هذا البلد جزءا من كيانها، قبل أن يحمل صفة “الربيب”. إن قراءة متأنية في معاهدة مغنية تعيد ترسيم الحدود وتعيد للمغرب الكثير من ترابه المسلوب.
لهذا نوصي رؤساء بعثاتنا الرياضية باليقظة أمام المناورات السياسية التي تتحرش بالرياضة وتعبث بقيمها الكونية، ندعوهم ليتأبطوا في أسفارهم الخارجية خرائط رسمية وأعلاما وطنية وتسجيلات “منبت الأحرار”، وبيانات جاهزة ترد على كل من سولت له نفسه الأمارة بالسوء، تغيير منصة التتويج وإضفاء لون التفرقة على تجمع رياضي.
إنهم يريدون أن يجعلوا من خريطتنا خريطة جوية يجثم عليها ضغط جوي وتضربها عواصف وتيارات هوائية وتعبث بها زوابع، إنهم ينفثون في المباريات سموم السادية الرياضية ويجعلون، لغاية في نفس معتوه، من رياضة الرماية أم الرياضات.