شوف تشوف

الافتتاحيةالرئيسيةسياسية

عدوى اليمين

أسفرت الانتخابات الأوروبية عن نتائج مقلقة للديمقراطية والليبرالية اللتين ظلت القارة العجوز تتباهى بهما لعقود، وفي ما يشبه متحورات كورونا سريعة العدوى والانتشار، انتقلت عدوى اليمين المتطرف لتضرب جزءا كبيرا من البرلمان الأوروبي.

ففي ألمانيا، القوة الليبرالية الرائدة في الاتحاد الأوروبي، جاء حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف في المركز الثاني، بنسبة تناهز 16,5 بالمائة من الأصوات، خلف المحافظين متقدما على الاشتراكيين الديموقراطيين (14 بالمائة) الذين يتزعمون الائتلاف الحاكم، الأمر الذي كان بمثابة انتكاسة مريرة للمستشار أولاف شولتس. وفي النمسا، حصل حزب الحرية اليميني المتطرف على 27 بالمائة من الأصوات، ليصبح أكبر قوة سياسية في البلاد.

وكانت العدوى القاتلة لرئيس الجمهورية الفرنسية إيمانويل ماكرون بعدما تصدرت الجبهة الوطنية نتائج الانتخابات الأوروبية في جمهورية «الأنوار»، ما تسبب في إحداث رجة دستورية قوية أدت تداعياتها إلى حل الجمعية الوطنية والدعوة إلى انتخابات تشريعية سابقة لأوانها.

إن الموجات المتوالية من انتصارات الأحزاب اليمينية المتطرفة وتبوُّأها مكانة مركزية في الخريطة السياسية بأوروبا ليست نتائج مفاجئة، نعم هي صادمة ومقلقة، لكنها كانت متوقعة، فلم يحقق اليمين المتطرف هذه النتائج بمحض الصدفة، بل بسبب التطبيع الأوروبي مع الإيديولوجيات المتطرفة بما فيها الفاشية.

ولا شك أن اليمين المتطرف وجد في موجات الهجرة والاضطرابات الاقتصادية والاجتماعية وغلاء المعيشة بيئة مناسبة للانتعاش والتمدد في ظل الموت البطيء للأحزاب اليسارية والليبرالية والأحزاب الوسطية الأوروبية، التي أصبحت تقاوم فقط من أجل البقاء وليس الصراع على مفاتيح السلطة في أوروبا.

إن عدوى اليمين المتطرف، الذي أفرزته انتخابات البرلمان الأوروبي، والتي لم تسلم منها حتى الدول التي كانت محصنة ضده، هي رسالة لنا كدولة من دول شمال إفريقيا وعلينا قراءتها جيدا. فمهما كانت خلافاتنا مع دول أوروبية، فقد كانت تتم مع تيارات سياسية قابلة للتوافق والتفاوض، لكن مع موجة التيارات اليمينية الصاعدة نحتاج إلى تغيير استراتيجيتنا في التعامل مع المؤسسات الأوروبية، خصوصا وأن تلك التيارات العنصرية تعتبر نفسها موكلة من طرف الشعب للدفاع عن ديانته وهويته ومواجهة كل ما هو قادم من إفريقيا.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى