شوف تشوف

الرأيالرئيسية

عامل سلا والملك نابليون 

يونس جنوحي

مقالات ذات صلة

 

هذا الأسبوع تنطلق عملية «مرحبا». مغاربة يعودون إلى البلد لرؤية العائلة. بعضهم يخططون لقضاء عطلة طويلة، أو قصيرة، ورؤية العائلة أو زيارة فنادق المملكة، حيث «الفاكتورة» قد تفوق ثمن الرحلة من أوربا إلى المغرب.

مغاربة آخرون يأتون إلى المغرب لا شأن لهم لا بالفنادق ولا بالاستقبالات. يأتون لزيارة مكاتب الموثقين والمحامين، و«تحريك» الملفات الراكدة وتقديم «الدفوعات الشكلية» لفض النزاعات العائلية حول القطع الأرضية أو الزوجات السابقات. هؤلاء يشتكون من «بيروقراطية» الإدارة ولا تهمهم لا زرقة البحر ولا طواجين «أزيلال».

على وزارة العدل أن تفتح بوابة خاصة للتواصل مع المغاربة المقيمين بالخارج، الذين يزورون المغرب بغرض تسوية النزاعات. فهؤلاء المساكين يشتكون من تعقيدات الإجراءات وبطء التنفيذ، وغالبا ما يستغل خصومهم وضعيتهم بحكم أنهم لا يستطيعون حضور الجلسات ومتابعة الملفات عن قرب، لكي يماطلوا في حضور الجلسات ويطلب دفاعهم التمديد إلى أن تنتهي العطلة لكي يقضي الملف سنة أخرى فوق الرف.

أما خلال فترة الحجر الصحي، عندما كانت الحدود مغلقة في وجه الجميع، فإن شركات عقارية استغلت عدم قدرة أفراد الجالية على الحضور شخصيا لتسوية إجراءات اقتناء الشقق، و«لهفت» التسبيق الذي دفعه هؤلاء المهاجرون لبعض المقاولين، ولم يجدوا حتى من يصغي إليهم لدى الإدارات المختصة في مدن تعرف إقبالا كبيرا على اقتناء الشقق من طرف أفراد الجالية مثل الناظور ومراكش وأكادير وطنجة.

والمشكل أنه لا توجد تنسيقيات لتوحيد صفوف هؤلاء المهاجرين، وكل واحد منهم يُجدف لوحده ضد التيار. لذلك وجدوا متنفسا في وسائل الإعلام «البديلة» لكي يفضفضوا ويحكوا للرأي العام عن معاناتهم مع الإدارات.

ورغم أن المسؤولين عن إنجاح عملية «العبور» يتحركون طيلة الأسابيع الماضية لاستكمال الأشغال التي بدأت منذ بداية السنة، إلا أنه لم تُسجل أية مواكبة في هذا الإطار من طرف الإدارات الأخرى التي تعرف «حركية» ورواجا عند دخول أفراد الجالية إلى المغرب.

عندما يحل شتنبر، سوف نسمع من جديد عن قصص تتكرر كل سنة عن مهاجرين تعرضوا للنصب، وبعضهم يتعرضون كل سنة للنصب من طرف أقربائهم، بسبب إجراءات «الوكالة» وبعض المساطر. وهناك من يقدمون تفاصيل مقلقة فعلا عن موظفين ومسؤولين يستغلون اضطرار هؤلاء المهاجرين إلى المغادرة عند نهاية عطلة الصيف لكي يماطلوهم إلى أن تنقضي العطلة.

لكن هذا لا يعني أبدا أن تجارب المهاجرين كلها مأساوية. تحويلات المغاربة المهاجرين حول العالم، إلى المغرب، سجلت ارتفاعا غير مسبوق خلال العام الماضي، وتجاوزت كل التوقعات. وهو ما يعني أن ضخ العملة الصعبة في خزينة الدولة موكول إلى هؤلاء المهاجرين الذين يعاني بعضهم من أبناء جلدتهم للأسف.

هناك واقعة قديمة جدا تلخص هذا الوضع. كان هناك رجل مغربي من سلا، وعُين عاملا عليها، يحترمه القصر ويحترمه الأعيان والناس العاديون لسعة علمه وقوة شخصيته. وفي سنة 1865 رافق السفير المغربي خلال مهمة نقل رسالة من السلطان المولى عبد الرحمن إلى الملك الفرنسي نابليون الثالث. وكان هذا العالم المغربي، واسمه محمد بن سعيد، يصف «نابليون» دائما بطاغية فرنسا. لكنه فوجئ بأن هذا «الطاغية» استقبل الوفد المغربي بحفاوة مبالغ فيها وأغرق أعضاءه بالهدايا، وجعل باريس كلها تحتفل بقدومهم، بل ونظم لهم، كما كتب بنسعيد بنفسه، سهرات في المسرح بباريس، ورغم أن «الحاج» كان سلفيا، إلا أنه وصف المسرح بأن فيه متعة للنفس. وعاد من باريس منبهرا بحفاوة وزراء فرنسا وتعاونهم مع الوفد المغربي.

لكنه عندما وصل إلى سلا، ورغب في مقابلة السلطان في فاس، وجد أن مشكلته الحقيقية تكمن في بعض أعيان المخزن. فقد كانوا يعرقلون مرات كثيرة لقاءه مع السلطان لكي يسمع إليه. واكتشف، ربما متأخرا، أن الطغاة الحقيقيين لا علاقة لهم بـ«نابليون».

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى