شوف تشوف

الرأي

عالم ما بعد نشرة الثامنة

يونس جنوحي
العالم صار يتحدث لغة خفيفة الزرقة. وبدل إصدار بلاغات رسمية فوق ورق صقيل يحمل شعار البيت الأبيض، يكتفي الرئيس الأمريكي بإطلاق تدوينات من هاتفه النقال، الأمريكي الصنع طبعا، لكي يخبر العالم ما يفكر فيه أولا بأول.
السنة الماضية عزل رئيس أقوى دولة في العالم وزيرا لديه رسميا وأخبره عن طريق «تويتر» ولم يُمهله حتى صدور القرار بشكل إداري، بل أبلغه وأخبر معه ملايين المتابعين عبر العالم بالقرار في الوقت نفسه.
أول أمس، خاطب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الشعب الإيراني من خلال «تويتر» باللغة الفارسية. وهي الخطوة التي قسمت الأمريكيين إلى فريقين. فريق مع الرئيس يؤيد سياسته في التعامل مع الملف الإيراني وضرورة الإشراف على ملفات حقوق الإنسان وقمع المظاهرات في طهران وشجب إجراءات حجب الأنترنيت في البلاد. وفريق ضد التدخل الأمريكي في المنطقة، ويرفض انتقادات البيت الأبيض لما يقع في إيران.
العالم يتجه نحو تأثير رقمي غير مسبوق، والسياسات العالمية أصبحت تُصنع في السينما ووسائل التواصل التي تبحث عنك قبل أن تُبادر أنت إلى البحث عنها.
السنة التي ودعناها عرفت وقائع كانت أكبر دليل على أن الأنترنيت هي التي أصبحت تحكم العالم.
من خلال منصة الأفلام المؤدى عنها، أطلق مخرج بريطاني شاب اسمه توم ميدمور فيلما وثائقيا عن قصة الدبلوماسي المصري السابق أشرف مروان الذي صاهر الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر وأصبح بعد وفاته مشرفا على المكتب الرئاسي لأنور السادات، وهو منصب غاية في الحساسية. الفيلم يتناول إشكالية تشريف أشرف مروان بعد حرب أكتوبر 1973 التي هُزم فيها الإسرائيليون. البلدان يعتبران أشرف مروان بطلا قوميا. وحاول الدكتور اليهودي البريطاني أهرون بريغمان، أن يسلط الضوء على الأيام الأخيرة من حياة أشرف مروان، لكن المخرج لم ينجح في الوصول إلى جهات رسمية مصرية لكي تقول روايتها لحادث الوفاة الغامضة لأشرف مروان في شقته بلندن فترة بعد صدور كتاب الرئيس الأسبق للموساد الإسرائيلي سنوات الستينيات، والذي حكى فيه عن زعماء عرب وعلاقاتهم المتشعبة.
الخلاصة أن الفيلم ربما ما كان ليجد طريقه إلى العرض لو أنه صُور في زمن ما قبل الأنترنيت، وربما كانت القنوات الكبرى العالمية لتتعامل معه بمقص الرقيب. لكن الفيلم بيع بملايين الدولارات لمنصة «نيتفليكس» التي تقوم على الاشتراك المسبق للزبناء حول العالم، ووصل إلى كل بقاع العالم وشاهده كل «الفضوليين» الذين يبحثون عن المعلومة. حتى أن متتبعين في أمريكا اللاتينية لم يكونوا يعرفون يوما من هو أشرف مروان ولا من هو أنور السادات، لكنهم تابعوا قصة الوثائقي وتعرفوا على خلفيات حرب أكتوبر التي كانت انتقاما من هزيمة 1967 بعد سبع سنوات عجاف قضاها العرب في انتظار إعادة الاعتبار.
لدينا في المغرب ملفات كثيرة تشبه قصة أشرف مروان، وقضايا تحتاج إلى من يوصلها إلى العالمية. لكن المغاربة القائمين على شأن السينما في هذا البلد يفضلون الحصول على دعم من صندوق الدعم السينمائي لكي يصوروا أفلاما رديئة تتحدث عن ثنائية البدوي القادم من القرية، ويصورونه دائما على أنه ينزل في محطة «ولاد زيان» ويضع الدجاجة في أعلى سيارة الأجرة الصغيرة ويسأل عن منزل ابن عمه في المدينة الكبيرة. ولا تزال السخرية في المغرب تجاه الأستاذ وتحاول إضحاك الجمهور بتقليد لكنة الأمازيغي لنطقه باللغة العربية. لا توجد قضية في السينما المغربية للأسف، ولا يتم إيصال القضايا الوطنية إلى العالمية. حتى أن محاولة سابقة لتحويل ذكرى المسيرة الخضراء إلى عمل سينمائي تحولت إلى «مأساة» على الشاشة لم تلق أي استحسان من النقاد، ولا يعلم المغاربة أنفسهم أنه تم تصويرها في عمل سينمائي، فكيف سيعرف العالم بأمرها إذن؟ إذا كانت الكرة الأرضية تعيش في «نيتفليكس» و«تويتر»، فلا بد أننا لا نزال نعيش في عالم التسعينيات، حيث لا تزال الأخبار المهمة تنتظر إلى حين نشرة الثامنة.
تصبحون على خير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى