شوف تشوف

شوف تشوف

عالم ما بعد التسونامي

جائحة كورونا لم تكن سوى موجة التسونامي العاتية التي ضربت اقتصاديات الدول، اليوم يعيش العالم تراجع الموجة مع كل ما سوف تتسبب فيه من تجريف للاقتصادات الهشة التي تعيش على الاستيراد.
يعيش العالم اليوم أزمة ما بعد كورونا، فكثير من الدول فتحت اقتصادها وعادت فيها الأمور إلى طبيعتها الأولى، مما رفع الاستهلاك والطلب على المواد الأولية في الأسواق العالمية، والنتيجة أن أسعار الغاز والبترول بلغت عنان السماء.
وطبيعي أن الدول المصدرة للغاز كالجزائر تستعمل هذه الحاجة الأوروبية للغاز بشكل سياسي وليس اقتصاديا، بحيث تقايض أسعار غازها بمواقف معادية للمغرب، وهي مستعدة لمنح إمدادات الغاز مجانا شرط أن يتم ضرب مصالح المغرب. وهذا بالضبط ما حدث عندما أصدرت محكمة العدل الأوربية قرارها السياسي القاضي بإلغاء اتفاقيتي الصيد والفلاحة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب، أو عندما خضعت إسبانيا للابتزاز الجزائري واستقبلت زعيم البوليساريو للعلاج.
العالم يعيش اليوم ارتفاعا في أسعار المواد الأولية واضطرابا في سلاسل التوريد، فالصين تفعل كل ما بوسعها لكي تشتري الغاز من الأسواق مثلما صنعت خلال كوفيد عندما جففت احتياطي الدول من الأقنعة لكي تصنعها وتبيعها لهم في ما بعد، الشيء الذي ألهب أسعار الغاز، وفي فرنسا مثلا ارتفع سعر الغاز ب300 في المائة منذ مطلع العام. أما الصين فتعرف مقاطعاتها انقطاعات في الكهرباء بسبب حظر استراليا تصدير الفحم لها بسبب أزمة الغواصات وما تلاها من تراشق، فتعطلت المصانع وتأخرت الطلبيات وصار على من يريد اقتناء سيارة جديدة في فرنسا مثلا انتظار سنة على الأقل، مما شجع مقاولين فرنسيين على فتح مصانع لإعادة تدوير السيارات المستعملة وبيعها.
فرنسا اليوم تعيش على أعصابها بسبب ارتفاع فاتورة الكهرباء بخمسين في المائة منذ بداية السنة إلى الآن، وهي تتزود أساسا من الجزائر وروسيا وقطر، وعند اقتراب كل موسم شتاء يبدأ القيصر بوتين في ابتزاز أوروبا ودول الاتحاد بغازه فيخفض الإنتاج لمنح أنبوبه الذي يربط بين روسيا وألمانيا الموافقة على استكماله.
من الجانب الأمريكي فخطة البيت الأبيض لتحجيم المارد الصيني ودفع اقتصاده للانكماش يبدو أنها بدأت تعطي ثمارها. وخطة أوروبا وأمريكا لمحاصرة الصين بسيطة من حيث الفكرة، وتقوم على شل عصب المبادلات التجارية وهي الحاويات التي بدونها يستحيل أن تكون هناك مبادلات تجارية ملاحية.
الصين تشتغل اليوم بثلاثين بالمائة من قدراتها في مجال التصدير بسبب أزمة الكهرباء نتيجة ارتفاع سعر الغاز والبترول، وخلال فترة كوفيد كانت قدرات الصين التصديرية تشتغل بخمسين بالمائة.
وقبل أزمة كورونا كان سعر الشحن في الحاوية لا يتعدى ألفي دولار، اليوم بسبب الحرب التجارية الأمريكية الأوروبية ضد الصين وصل سعر الشحن في الحاوية الواحدة 22 ألف دولار، وللشحن مثلا من أمريكا في اتجاه المغرب فإن سعر الحاوية وصل إلى 40 ألف دولار. مما يعني ارتفاعا في أسعار السلع المشحونة، وهذا سيخرب اقتصاديات الدول التي تعول بشكل كبير على الواردات ويعرف ميزانها التجاري اختلالا كبيرا بين الواردات والصادرات، ومن هذه الدول الجزائر التي تعتمد في غذائها على الاستيراد ولا تصدر سوى المحروقات.
نعرف أن الشركات المتحكمة في 90 بالمائة من الملاحة التجارية العالمية هي CMCGM مجموعة السعدي اللبناني الفرنسية، وMAERSK الدنمركية. وMSC الإيطالية السويسرية “متعددة الخدمات”، وهذه الشركات الملاحية تنقل السلع والبضائع نحو أفريقيا وأوروبا وأمريكا وتعود تاركة الحاويات فارغة في موانئ هذه الدول، مما خلق أزمة حاويات في العالم، أضف إلى ذلك أن السفن التجارية مجبرة على الخضوع للحجر لمدة 14 يوما في الموانئ، مما أبطأ حركة الملاحة التجارية.
إذن فالأزمة المقبلة هي أزمة طاقة وبترول وكهرباء، وما سينتج عنها من ارتفاع في أسعار المواد الغذائية والاحتياجات المستوردة من الخارج. إضافة إلى تداعيات الحرب التجارية الأمريكية الأوربية ضد الصين والتي يمكن أن تهدد العالم بأزمة تجارة دولية بسبب الإبطاء المتعمد لحركية الملاحة التجارية.
هذا الوضع المحتقن والمنذر بالانفجار يفرض على دولة كالمغرب تسريع مشروع السيادة الطاقية والاكتفاء الذاتي الغذائي والصناعي والدوائي، حتى لا نبقى مرتهنين للأسواق العالمية. يجب أيضا تسريع تنزيل مخطط “صنع في المغرب” والعمل على إعادة الثقة للمغاربة في منتجاتهم الوطنية، عبر ضمان الجودة أولاً وأيضا عبر حملات إعلامية مستمرة مثلما تفعل فرنسا وإسبانيا منذ حوالي سنة مع منتجاتها الوطنية. كما تجب العودة للحملات التحسيسية في الإعلام بأهمية المحافظة على الطاقة وتشجيع المغاربة على استعمال الطاقة الشمسية ومنح مساعدات لكل من يرغب في ذلك.
والدول التي توقعت هذه الأزمة، مثل المغرب، انفتحت قبل أكثر من عشرين سنة من اليوم على أنواع جديدة من الطاقات البديلة كالهيدروجين والطاقات المتجددة إضافة إلى توقيع اتفاقيات للتنقيب عن الغاز مع كبريات الشركات البريطانية، واليوم نحن محتاجون أكثر من أي وقت مضى لتسريع هذا المخطط الذي سيضمن للمغرب سيادته الطاقية وبالتالي استقلالية قراره السياسي في عالم تبيت حكومات دوله على مواقف وتصبح على أخرى من أجل شحنة غاز أو براميل نفط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى