شوف تشوف

شوف تشوف

عالم جديد

كورونا قلب أعقد المعادلات وزعزع أقوى اليقينيات.
من كان يتخيل أن المغرب سيكون سباقًا إلى إغلاق حدوده الجوية في وجه فرنسا ذات يوم.
كان المغاربة يغامرون بحياتهم لبلوغ أوروبا فأحيانا الله حتى رأيناهم يهربون نحو المغرب بالآلاف.
في مراكش كنت تقف ساعات في الشارع بانتظار أن يرق قلب سائق سيارة أجرة ويتوقف ليحملك، فيفضل أن يحمل السياح. عندما انتشرت الجائحة صار سائقو التاكسيات يتجنبون السياح مثلما يتجنبون الطاعون مفضلين نقل إخوانهم المغاربة.
يقينًا أن العالم لن يكون هو نفسه بعد الآن. سيكون هناك عالم ما قبل كورونا وعالم ما بعد كورونا. وسيبدأ تاريخ جديد للبشرية. أو ما سيتبقى منها.
أشياء كثيرة سوف تتغير بشكل جذري في حياتنا وتصرفاتنا وعاداتنا اليومية.
سنفهم متأخرين أن الاستثمار الكبير والمهم هو الاستثمار في المجال الصحي. ولكم يبدو تصريح مسؤولي البنك الدولي مثيرا للسخرية عندما يقولون إن هذه الجائحة مناسبة لمواجهة الأنظمة الصحية لبلدان العالم الثالث، مع أن الجميع يعرف أن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي يلحان على هذه الدول، ومنها المغرب، لكي تقلص استثماراتها في قطاعي الصحة والتعليم، وذلك من أجل توفير أقساط القروض كل شهر لهذين البنكين لتأدية القروض الثقيلة التي أغرقانا بها.
ولعلكم تتذكرون مقولة بنكيران عندما كان رئيسا للحكومة وقال “حان الوقت لكي ترفع الدولة يدها عن مجموعة من القطاعات الخدماتية، مثل الصحة والتعليم”.
ها نحن نرى كيف أن الجميع يعول على الدولة لكي تنقذه بمستشفياتها وأطرها الطبية من هذه الجائحة.
أشياء كثيرة ستتغير، السياحة وتنقل الناس حول العالم سيعرف تراجعا كبيرا وكل العلاقات بين البشر ستصبح رقمية بالضرورة وعن بعد ما أمكن ذلك. هذا سيفتح أمام المغرب فرصة استغلال إمكانيات السياحة الداخلية، فالمغاربة يمكنهم أن يعوضوا السياح الأجانب جزئيا إذا ما تم منحهم عروضًا بأسعار في متناولهم.
وعمليًا فما يخسره المغرب اليوم من عائدات العملة الصعبة التي يضخها السياح في الخزينة يربحها من الهبوط الحاد في أسعار البترول في الأسواق العالمية. والجميع يعرف أن الجزء الأكبر من احتياطياتنا من العملة الصعبة تلتهمه فاتورة استيراد البترول. المغرب اليوم يوفر جزءا مهما من عملته الصعبة بفضل هذا الهبوط في أسعار المحروقات. نتمنى أن تستمر الأسعار في الهبوط بسبب الحرب الباردة بين الرياض وموسكو التي ينفخ في جمرها وراء الستار دونالد ترامب، وكما يقول المغاربة “الله يقوي شيطانهم”.
الطيران الداخلي أيضا يمكن أن يستغل السياحة الداخلية إذا خفضت لارام بطاقات السفر لكي تعادل السفر عبر القطار. سيكون بمستطاع المغاربة أن يسافروا إلى الشرق والجنوب وأقاليم الصحراء حيث يوجد عرض سياحي ممتاز ومتنوع. فالسياحة الداخلية ستعمل على تقوية أواصر الأخوة بين المغاربة وتجعلهم يكتشفون تنوع وجمال بلدهم، وبالتالي التعلق به أكثر.
المؤتمرات والملتقيات والتعليم العالي والعمليات الجراحية لن تتطلب التنقل والسفر مستقبلًا وستصبح عبر الفيديو كونفيرونس. هذا سيفرض استثمارات كبيرة في العالم الرقمي. النمور الآسيوية وعلى رأسها الصين استعملت المعدات الرقمية والتكنولوجية للحد من عدوى كورونا بقياس حرارة الناس في الشوارع بكاميرات حرارية مثبتة على رؤوس روبوهات ونجحت في وقف العدوى، وها هي أوهان مهد الفيروس تحتفل بمغادرة آخر مصاب لمستشفياتها المؤقتة، فيما تحصي الدول الأوربية التي طالما اتخذناها نموذجا قتلاها كل يوم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى