شوف تشوف

الرأي

عالم بلا خرائط

يونس جنوحي

حسب ما تشير إليه برامج الملاحة الجوية المتاحة للعموم، فإن الكرة الأرضية تشهد في بعض النقط هبوطا كبيرا في الرحلات الجوية بمختلف أنواعها، فيما بقيت مناطق أخرى، خصوصا في أمريكا وشرق آسيا، على نفس الإيقاع.
«كورونا» غير عادلة، وتعامل الأقوياء بمنطق مختلف تماما عن منطق الدول الفقيرة. وحتى المواعد الدولية، تم التعامل معها بمنطق مختلف تماما.
تم التخلي عن عدد من اللقاءات المرتبطة بمجال حقوق الإنسان، وتم تعويضها باجتماعات عن بُعد. وهذا الأمر لا يصب في صالح الذين كانوا يستغلون مثل هذه التجمعات السنوية للنوم في أفخم الفنادق بالمجان ونصب الشباك على منظمات أخرى تمنحهم بسخاء صفة «المحلل السياسي» و«الناقد». هناك كساد كبير في بورصة هؤلاء الذين يتصيدون جوائز النقد والإبداع. أعضاء لجان التحكيم ومراقبو المنح الدولية في المجال الحقوقي والتأليف وحتى دعم الأبحاث التي تتناول مواضيع مثل الهجرة السرية وتجارة الرقيق وضحايا سرقة الأعضاء وغيرها من الكوارث التي تتربص بملايين البشر سنويا.
هل توقفت الأرض عن الدوران عندما تم إلغاء هذه التجمعات التي كانت تصرف عليها ملايين الدولارات من ميزانيات منظمات غير حكومية وأخرى تتبع للأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان والجامعة العربية؟ بطبيعة الحال، الأرض استمرت في الدوران والعالم مشغول بما هو أهم: احتواء فيروس كورونا وتصحيح المعلومات المتعلقة باللقاح.
وعلى ذكر اللقاح، فإن دول الاتحاد الأوربي قبل ثلاثة أيام كشفت أن هناك حالات غش في عقاقير ومستلزمات صحية حصلت عليها من الصين في إطار مواجهة فيروس «كورونا». وحذرت من مخاطر وأعراض قاتلة لتلك العقاقير المغشوشة. وهذا الأمر يعيد إلى الواجهة مسألة مصداقية المواد الصينية.
وإذا حدث ووصلت شحنات من تلك العقاقير الصينية إلى دولة من دول العالم الثالث، فالأكيد أن مسألة رصد عدم احترامها لشروط السلامة الصحية، سوف تبقى في يد الله وحده.
زعماء دول كثيرة كانوا منشغلين بالرد على منظمة الصحة العالمية التي ظهر من خلال مواقفها المتقلبة طيلة الأشهر الماضية، أنها تسير مرة على رجليها ومرات كثيرة على رأسها، وأن هناك من يريدون سحب البساط من تحت قدمي رئيسها، لأن الحرب المقبلة سوف تكون حول الدواء، ما دام العالم يعيش هذه التجربة العجيبة التي لم يسبق نهائيا اختبار تجارب مماثلة لها بهذه الصورة التي شلت العالم، وحولت مواطنيه إلى جحافل من المكممين خوفا من فيروس لا يرى بالعين المجردة.
لم تتأثر الملاحة الجوية المتعلقة بنقل البضائع بفيروس «كورونا» وهذا مؤشر جيد. لكن المشكل أن بعض الدول التي تعيش على الإغاثات الإنسانية، تأثرت بشكل كبير حيث توقفت الإمدادات الطبية الموجهة لها منذ مارس، والسبب أن الحكومات المشرفة على تلك التبرعات أعطت الأولوية لمواطنيها خصوصا في فترة مارس وأبريل الماضيين.
وفي الوقت الذي كان فيه هؤلاء الناس، خصوصا في دول إفريقيا جنوب الصحراء، ينتظرون وصول الإمدادات، كان بعض سياسييهم يضعون أيديهم على قلوبهم لأنهم كانوا يعولون على برنامج سنوي حافل من السفريات واللقاءات في أوربا وأمريكا، لكي يتحدثوا باسم الفقراء، ويحصلوا باسمهم دائما على مساعدات سخية.
الهجرة السرية هي الأخرى عادت بشكل أقوى مع رفع جل دول الاتحاد الأوربي للحجر الصحي. هناك اليوم مرشحون مغاربة يوثقون بالفيديو لرحلاتهم البحرية والبرية. والمضحك أن شابين مغربيين أوقفهما خفر السواحل الإسباني مؤخرا، كانا يريدان العبور إلى إسبانيا باستعمال عبّارة مطاطية، قالا في المقطع المسجل إنهما حصلا عليها من محل تجاري معروف بـ129 درهما فقط لا غير.
قد تغير هذه المحنة ملامح كثيرة من عادات سكان هذا الكوكب، لكنها لن تستطيع محو عاهات وظواهر لصيقة بنا، تماما مثلما لا يستطيع العالم البقاء بدون خرائط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى