شوف تشوف

الرئيسيةملف الأسبوع

عاشوا في المغرب قياديون وزعماء أوروبيون قضوا طفولتهم بالمملكة

من يقرأ مذكرات الزعماء الأوروبيين، الذين ولدوا في المغرب أو عاشوا جزءا من حياتهم في هذا البلد، سيتيقن بأن الكلمات كتبت بحبر الحسرة، وأن زفرات هذا الإحساس تنبعث من بين السطور. وحتى الذين لم تسعفهم الظروف لكتابة هذه المذكرات، يستحضرون جزءا من عبورهم في المملكة بكثير من النوستالجيا.

العديد من الشخصيات الحاكمة في أوروبا، خاصة بفرنسا، تحتفظ في دواخلها بذكريات الطفولة والشباب، حين كانت تركض في أزقة مدننا، خلال فترة الحماية الفرنسية أو بعد انبلاج فجر الاستقلال، وتستحضر الأحداث التي تخللت هذا العبور من ذكريات تتجدد كلما لاحت فرصة السفر إلى المغرب. ومع مرور الأيام يتغير الفضاء، فتشكل هذه التحولات الخيط الناظم للمذكرات.

بعد مرور سنوات، اختار القياديون القادمون من المغرب إطارا جمعويا يلم شملهم، ويحمل إليهم بين الفينة والأخرى نسمات بلد احتضنهم يوما وساهم في صنع جزء من شخصيتهم، ويمتعهم بدفء وطنهم الثاني. لذا ظهرت في عدد من الدول الأوروبية جمعيات تحتضن تحت أجنحتها قدماء المقيمين في مدن المملكة، خاصة تلك التي عرفت تجمعات أجنبية كالدار البيضاء، الرباط، طنجة، فاس، الجديدة، مراكش وغيرها من الحواضر التي درسوا فيها وركضوا في دروبها.

في الملف الأسبوعي لـ«الأخبار»، نتوقف عند بورتريهات شخصيات أصبح لها شأن عظيم في عوالم السياسة، وهي التي خرجت من دروب مغرب بالأبيض والأسود. منها من وجدت نفسها في مدن المملكة رفقة أسرها، ومنها من أصبح المغرب مسقط الرأس والقلب.

 

حسن البصري

 

ميلونشون.. طنجاوي على أعتاب قصر الإليزي

لفت النائب الفرنسي جون لوك ميلونشون نظر المغاربة، حين وجه عتابا صريحا إلى الحكومة الفرنسية، ودعاها إلى الاستلهام من النموذج المغربي في محاربة وباء فيروس كورونا المستجد، وذلك خلال جلسة للجمعية العمومية بحضور رئيس الوزراء الفرنسي، خصوصا في النقطة الخاصة بتوفير الكمامات الوقائية الضرورية لمرحلة رفع الحظر الجزئي.

واجه ميلونشون بعض الأصوات المرتفعة من بين بعض نواب الأغلبية بالقول: «نعم المغرب بلد ازديادي ويستحق تقديركم»، بشكل أثار إعجاب وتقدير الكثيرين بالجلسة وعلى مواقع التواصل الاجتماعي.

قصة هذا السياسي الذي دخل يوما غمار الانتخابات الرئاسية، تستحق أن نتوقف عندها، فقد ولد سنة 1951 في مدينة طنجة، وهو الابن الأصغر لجورج ميلونشون، المدير بمكتب للبريد حينها، وجانين بايونا، المعلمة في مدرسة ابتدائية. كلاهما ولدا بالجزائر الفرنسية، قبل أن ينجبا ابنهما جون لوك في مدينة تحت الوصاية الدولية.

أصول عائلة ميلونشون ترجع إلى منطقة مورسيا الإسبانية، قبل أن تختار الاستقرار في وهران ومنها انتقلت إلى طنجة، حيث استقرت الأسرة الصغيرة وخرج جون إلى الوجود ليتابع دراسته في مدينة متعددة الثقافات، وتحديدا في ثانوية «رينو سانت أولير» بطنجة، وبعد طلاق والديه عاد إلى فرنسا.

ظل ميلونشون يتردد على مدينة طنجة دون أن يلفت نظر الإعلام، إلى أن قرر دخول الانتخابات الرئاسية الفرنسية باسم اليسار الراديكالي، وأعلن نفسه مرشحا لخلافة فرانسوا هولاند، إلى جانب مرشحين آخرين كفرانسوا فيون، وهو وزير أول سابق، وماري لوبين عن الجبهة الوطنية، وإيمانويل ماكرون عن حركة «إلى الأمام»، وطبعا كان هذا «الطنجاوي» يمثل حزب «فرنسا غير الخاضعة»، أو «فرنسا المتحررة». ورغم أن ميلونشون استطاع التقدم بشكل مذهل في استطلاعات الرأي، إلا أن ماكرون ظفر بالأصوات.

ويعتبر ميلونشون من السياسيين الذين يؤمنون بضرورة الدفاع عن العلاقات مع الدول العربية، وقال إن جزءا من مستقبل فرنسا مرتبط بالعرب وأمازيغ شمال إفريقيا.

 

 

ميشيل جوبير.. وزير فرنسي متنكر في زي مغربي

ولد جوبير سنة 1921 بمدينة مكناس، وكان والده مهندسا زراعيا شارك في الحرب العالمية الأولى، فتعرض لإصابة بالغة. لم يكن الطفل ميشيل يعرف فرنسا إلا من خلال ما يرويه والده ووالدته من ذكريات، لكنه مع مرور الأيام بدأ يكتشف تدريجيا سر وجوده في بلد آخر، حيث عاش عن قرب معاناة المغاربة وفقرهم تحت الاستعمار الفرنسي، فأحب هذا الشعب العربي وأحسن عشرة الثقافة العربية، مما طبع سلوكه ومواقفه حين تحمل المسؤوليات الكبيرة في بلاده، وإلى آخر لحظه في حياته.

قضى ميشيل جوبير طفولته وشبابه في المغرب، ودرس في مؤسسات تعليمية بمكناس وفاس، وحين حصل على شهادة البكالوريا سافر بقرار من أسرته إلى فرنسا، ليتابع دراسته الجامعية في المدرسة الحرة للعلوم السياسية في باريس، حيث اختار مهنة المحاماة، وخلال العطل الدراسية كان يعود مسرعا إلى مكناس.

تقلد جوبير عدة مناصب في فرنسا، ومن عجائب القدر أن جوبير فارق الحياة بمستشفى باريسي يحمل اسم جورج بومبيدو، وهو الرئيس الذي كان بمثابة ظله لسنوات طويلة، حيث شغل منصب مدير مكتب جورج، عندما كان هذا الأخير رئيسا للحكومة الفرنسية، في عهد الجنرال شارل دوغول. وبعد انتخاب بومبيدو رئيسا للجمهورية، أصبح جوبير أمينا عاما للرئاسة، وهو منصب استراتيجي من الطراز الأول، لأنه يتيح لصاحبه الاطلاع على كل الملفات الداخلية والخارجية، بما في ذلك الملفات الحساسة. ومن هذا المنصب، انتقل ابن مكناس إلى وزارة الخارجية، حيث أظهر براعة دبلوماسية نادرة ورؤية لدور فرنسا ولقدرتها على لعب دور دبلوماسي آخر.

عاد إلى ممارسة المحاماة، إلى أن اختاره فرانسوا ميتران وزيرا للتجارة الخارجية، وكان له شرف المشاركة في تعديل دستور الجمهورية الفرنسية، وكلما غادر بوابة الحكومة توجه إلى مكتبه وارتدى بذلة المحاماة.

توفي ميشيل جوبير في 25 ماي 2002، بسبب نزيف في الدماغ، عن عمر يناهز 81 سنة. وفي تأبينه أجمع الإعلام على كونه من أعز أصدقاء الملك الحسن الثاني، بل إنه كتب الكثير عن المغرب، وله كتاب بعنوان «المغرب في ظل يدي».

 

دومينيك دوفيلبان.. الرباطي الذي أصبح رئيسا لوزراء فرنسا

ولد دومينيك دوفيلبان يوم 14 نونبر 1953 في العاصمة الرباط، حيث كان والده عضوا في مجلس الشيوخ عن الفرنسيين المقيمين في الخارج. ينحدر دوفيلبان من أسرة بورجوازية، ظلت منذ القرن التاسع عشر مقربة من دوائر السلطة، وحاز 18 من أفرادها على «وسام الشرف» الوطني.

تلقى دوفيلبان تعليمه الابتدائي في المغرب، كما تلقى تعليمه الإعدادي في فنزويلا، وتوزع تعليمه الثانوي بين مدينتي نيويورك الأمريكية وتولوز الفرنسية، حيث أكمل دراسته. التحق بجامعة باريس، حيث حصل على إجازتين، واحدة في الأدب من كلية الآداب، وأخرى في القانون من مدرسة «سيانس بو»، ثم التحق بالمدرسة الوطنية للإدارة خلال 1978- 1980، وكان ضمن طلابها آنذاك فرانسوا هولاند وسيغولين رويال.

ظل حريصا على زيارة مسقط رأسه في الرباط، ونسج علاقات مع السياسيين المغاربة، خاصة عبد الرحيم بوعبيد، بعدما دخل عالم السياسة من بوابة الفكر وأصبح عنصرا أساسيا في اليمين الدوغولي، ومقربا من الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك. ومع ترشح هذا الأخير للرئاسة سنة 1995، كرس دوفيلبان جهده للعمل في حملته الانتخابية، وكوفئ بعد فوز شيراك بتعيينه في منصب الأمين العام لرئاسة الجمهورية، وهو منصب مركزي في الهرم التنفيذي الفرنسي، ثم وزيرا للخارجية فالداخلية، وبعد ذلك رئيسا للوزراء في الفترة من سنة 2005 وحتى 2007.

بعد نجاح نيكولا ساركوزي في الانتخابات الرئاسية، التي جرت سنة 2007، غادر دوفيلبان المشهد السياسي وتفرغ للتأليف وكتابة الشعر، كما أصبح محاميا لدى محاكم العاصمة باريس، وحاول التقدم للانتخابات الرئاسية التي جرت سنة 2012، لكنه فشل في الحصول على التوقيعات اللازمة لذلك.

لا يتردد الرجل في حضور الملتقيات الفكرية بالمغرب، حتى أضحى وجها مألوفا في بلادنا. ولقد كتب دوفيلبان عدة قصائد منها «من أجلكم»، التي تناول فيها سيرة المقاوِمة الفرنسية الشهيرة، جان دارك، كرمز للشجاعة والتضحية من أجل فرنسا. وقد ترجم الناقد والشاعر المغربي، محمد بنيس، عددا من قصائد دوفيلبان، كما كرمته مؤسسة بيت الشعر التي يرأسها بنيس.

 

فانسان بيون يعود إلى مدرسته الأولى بصفته وزيرا للتعليم

حين احتفلت ثانوية «رينيو» في مدينة طنجة، بالذكرى المئوية لتشييد هذه المؤسسة التي ترتبط بالبعثة التربوية الفرنسية في المغرب، ظل مدير الثانوية يسرد خلال فقرات الحفل أسماء الشخصيات التي حكمت فرنسا والمغرب، والتي جلست في شبابها على مقاعد هذه المؤسسة وركضت في ساحتها الصامدة، منذ أن كانت طنجة تخضع للحماية الدولية.

عرف هذا الملتقى المشبع بروح النوستالجيا مشاركة أزيد من 500 تلميذ سابق في الثانوية، ضمنهم مسؤولون سامون ومثقفون وفنانون ورجال أعمال منتشرون في العالم.

على رأس الحاضرين، يوسف العمراني، الوزير المنتدب سابقا لدى وزير الشؤون الخارجية والتعاون، الذي يعتبر من تلاميذ ثانوية «رينيو» سابقا، والذي وصف المؤسسة بمركز «الانفتاح والحوار والتسامح، وهي القيم التي تشكل قاعدة للهوية».

تحولت الثانوية المذكورة إلى مزار لكثير من السياسيين، الذين يجدون متعة في استحضار ذكرياتهم وهم يجوبون أقسام دراسية تحفظ ذكرياتهم، من بينهم وزير التربية الوطنية الفرنسي الأسبق، فانسان بيون، ابن مدينة طنجة الذي حرص على زيارة عاصمة البوغاز عشرات المرات، دون أن يلفت نظر أحد، إلى جانب شخصيات أخرى أبرزها المنصف المرزوقي، الرئيس التونسي الأسبق.

حين أصبح بيون وزيرا للتعليم في الحكومة الفرنسية تردد من جديد على طنجة في زيارات رسمية، وأصر كعادته على زيارة مؤسسات تعليمية درس بها، حين كان طفلا ثم شابا، وشوهد رفقة وزير التربية الوطنية والتكوين المهني المغربي آنذاك، رشيد بلمختار، في ثانويتي «رينيو» و«ابن بطوطة»، وحضرا عروضا مسرحية.

استغل فانسان بيون، وزير التربية الوطنية الفرنسي الأسبق، زيارته إلى طنجة، وقام بزيارة إلى فيلا جوزيفين بطريق الجبل الكبير، وهي عبارة عن مقهى ومطعم وفندق.

 

ديفيد أسولين.. الفتى الصفريوي الذي سيصبح ناطقا رسميا للحزب الاشتراكي

ولد ديفيد يوم 16 يونيو 1959 بمدينة صفرو، وسط عائلة يهودية. بعد ثماني سنوات ستنتقل عائلته إلى فرنسا، حيث استقرت ببلدية «كروي»، هناك حصل على الجنسية الفرنسية سنة 1973، ثم انتقل إلى باريس سنة 1980، فتزوج هناك وأنجب ثلاثة أبناء.

حصل ديفيد على درجة الماجستير في التاريخ، كما نال شهادة الكفاءة للتدريس بالثانوية في التخصص نفسه، واشتغل مدرسا للتاريخ في أكثر من ثانوية بباريس، ليصبح في ما بعد مؤرخا مختصا في تاريخ الهجرات، وشارك في تأليف بعض الكتب مثل «ربيعنا فالشتاء»، «من المنجم لساحة المعركة» و«من البناء للمواطنة». كما كتب وأخرج الفيلم الوثائقي «بين الجنة المفقودة والأرض الموعودة في تاريخ يهود المغرب».

بدأ ديفيد أسولين مسيرته السياسية داخل الحركة الطلابية في المدرسة الثانوية، فعارض التيار الذي يقوده نشطاء الحركة الشيوعية الفرنسية الشابة، وبعد حصوله على البكالوريا انضم إلى الحركات العمالية، وشارك في عدة مسيرات ضد اليمين المتطرف، كمسيرة النحل سنة 1983، ليصبح أحد قادة حملة المرشح الشيوعي بيير جوكين، خلال الانتخابات الرئاسية لسنة 1988.

في سنة 1995، انضم إلى الحزب الاشتراكي وأصبح مدير حملة القوائم الاشتراكية، والناطق الرسمي باسمه، ثم انتخب في المجلس البلدي، وفي عام 2001 تم انتخابه مستشارا في بلدية باريس، وتم انتخابه في شتنبر 2004 لمجلس الشيوخ.

عين ديفيد أسولين نائب رئيس مجموعة الصداقة الفرنسية الإسرائيلية، في مجلس الشيوخ، وظل حريصا على زيارة مسقط رأسه مرة كل عام.

 

دومينيك ستراوس.. هارب من زلزال أكادير يصبح رئيسا للبنك الدولي

يعرف في الأوساط السياسية باسم «ديسكا»، وهو اختصار لاسمه الكامل دومينيك ستراوس كان. وهو واحد من الشخصيات النافذة في عالم المال والأعمال والاقتصاد والسياسة، وصاحب شعبية كبيرة وواسعة لدى الفرنسيين.

ولد في نويي سور سين، القريبة من باريس سنة 1949، من عائلة يهودية ترجع أصولها إلى مدينة تونس، لكنه عاش سنوات طفولته في المغرب، وبالضبط في مدينة أكادير، التي غادرها مباشرة بعد الزلزال الذي ضربها سنة 1960، متوجها نحو موناكو، حيث تلقى تعليمه الثانوي، قبل أن يغادرها نحو باريس، حيث درس في معهد «كارنو» الشهير، قبل أن يلتحق بمعهد الدراسات السياسية ويتخرج منه سنة 1972، ثم يحصل على الدكتوراه في العلوم الاقتصادية من جامعة غرب باريس نانتير لاديفونس سنة 1975.

دخل ستراوس كان السياسة من باب الحزب الاشتراكي الفرنسي، وتقلد العديد من المناصب والوزارات، من بينها وزارة الصناعة والتجارة الخارجية، وعمودية مدينة سارسيل وحقيبة الاقتصاد والمالية والصناعة، قبل أن يقرر الترشح لرئاسة الجمهورية الفرنسية، ثم ينسحب ليترأس البنك الدولي، أقوى منظمة اقتصادية عالمية.

التصق اسمه بفضيحة فندق «كارلتون»، بعدما اتهمته عاملة فندق في الولايات المتحدة الأمريكية باغتصابها، وهي الفضيحة التي أطاحت بمستقبله السياسي، بعدما تم اعتقاله والحكم عليه بدفع تعويض للضحية بلغ مليونا ونصف المليون دولار.

رغم أنه عاش طفولته في سوس، إلا أن دومينيك كان على امتداد حياته عاشقا لمدينة مراكش، التي اختارها لقضاء فترات استراحته، كما سبق أن زار المغرب بشكل رسمي، خلال منتدى التنمية البشرية في نونبر 2010 بأكادير، ورفض أن ينعت بصديق المغرب، بل أصر على كونه مغربيا.

ونقلت صحيفة «لو باريزيان» الفرنسية عن أحد أقارب كان، تأكيده الزواج للمرة الثالثة من سيدة لها أصول مغربية.

 

جيسي كلافر.. زعيم سياسي هولندي من أصل مغربي

ضدا على توقعات معاهد الاستفتاء، انتخب شاب هولندي من أصل مغربي على رأس حزب الخضر بهولندا. ويتعلق الأمر بشاب ثلاثيني يدعى جيسي كلافر الذي خلف الستيني برام فان أوييك، ليصبح بذلك أصغر زعيم سياسي يتم انتخابه في هولندا.

وولد جيسي كلافر من أب مغربي وأم إندونيسية، يوم فاتح ماي 1986، بروزندال جنوب هولندا. ونشأ بعيدا عن أبيه في سكن اجتماعي بمنطقة ويستراند، وتابع دراسته المهنية، قبل أن ينتخب نائبا برلمانيا سنة 2010. وبعد حصوله على دبلوم الدراسات التحضيرية للتعليم الثانوي، واصل كلافر مساره الدراسي في سلك العلوم السياسية بجامعة أمستردام. وبفضل نشاطه النضالي داخل هذه الجامعة، انتخب في سنة 2009 رئيسا لنقابة الشباب، العضو في المجلس الاقتصادي والاجتماعي في هولندا.

وسطع نجم هذا الشاب الهولندي – المغربي سنة 2014، بالخصوص من خلال انتقاده لممارسات بنك «إي بي إن أمرو»، واستدعائه للاقتصادي توماس بيكيتي إلى البرلمان.

وباختياره لجيسي كلافر، يطمح الحزب اليساري إلى دخول مرحلة جديدة، يحاول خلالها استعادة جزء من كتلته الناخبة، التي استقطبتها في السنوات الأخيرة أحزاب من اليسار واليمين.

تردد كلافر على المغرب ونسج علاقة عشق مع مدينة مراكش، التي كان يقضي فيها جزءا من عطلته، كما تابع العديد من القضايا التي تهم مغاربة هولندا من موقعه السياسي.

وفي أول ندوة صحفية يعقدها بعد تزعمه لحزب الخضر، قال الشاب كلافر إن «الاتجاه الذي يسير فيه المجتمع مرشح ليتغير جذريا، وإن لدي أخبارا سارة»، موضحا «لقد بنينا مجتمعنا ونحن من يملك القدرة أيضا على تغييره. إن ذلك مبعث أمل. إن بعض مستشارِيَِِّ ينصحونني بعدم قول ذلك، لكني أرى أن الناخبين الهولنديين يستحقون الأفضل».

 

 

فيرمين.. عمدة قادس وزعيم الحركة الفوضوية الهارب إلى طنجة كلما لف عنقه حبل النظام

يعد فيرمين سالفوتشيا أحد رموز الحركة الفوضوية الإسبانية. شغل منصب رئيس الحزب الفيدرالي، وأصبح عمدة لمدينة قادس في الجنوب الإسباني، وارتبط اسمه طويلا بالعمل النقابي واعتبر مدعما رئيسيا بالفكر والمشورة والمال للرابطة اليهودية، ويوجد في طنجة زقاق باسمه، وهي المدينة التي تردد عليها كثيرا ولجأ إليها طوعا وكراهية، خاصة في ظل صراعه مع النظام الحاكم.

زار فيرمين سالفوتشيا عاصمة البوغاز، بدعوة من الرابطة اليهودية، وحضر أكثر من تجمع لهذه الحركة، كما زارها مكرها حين هرب من السجن صوب جبل طارق ومنه إلى طنجة، التي قضى بها شهورا في ما يشبه استراحة المحارب، وشكلت بالنسبة إليه ملاذا يهرب إليه كلما ضاق الخناق حول عنقه، سيما وأن الكثير من العائلات الإسبانية واليهودية على الخصوص كانت تستضيفه وتنسج معه علاقات مودة، علما أن زيارة طنجة جعلته يفهم جيدا تاريخ الحضور الإسلامي في إسبانيا، وانصهار العائلات الهاربة من الأندلس داخل المجتمع المغربي بكل أطيافه، وهو شيء مهم لعمدة مدينة أندلسية كقادس.

ضرب فيرمين موعدا مع رموز الحركة العمالية الإسبانية في مدينة طنجة، بعيدا عن عيون المخبرين، كما تردد على مدينة سبتة والتقى برفاقه من الحركة الراديكالية، ذات التوجه البورجوازي مع ميولات فوضوية، وعاد إلى سبتة معتقلا، حيث قضى في سجنها المركزي شهرين كاملين، بتهمة التحريض على معاداة النظام الحاكم، وإثارة الفتن بعد أن دافع عن جمهورية فيدرالية تسمح بحق تقرير المصير في أقاليم إسبانية، وكان سباقا إلى المطالبة بانفصال كتالونيا عن مدريد. وكان يركز في خطبه على ضرورة استعادة مفهوم تضامن الشعوب، لغرض بناء جمهورية فيدرالية، تقول «لا» للاستقلال.

تناول المؤلف «إدوارد وينتروب»، جزءا من سيرة سالفوتشيا في كتاب يحمل عنوان: «الفوضويون الإسبان 1868- 1981»، حيث يعود بقارئه إلى نهايات القرن التاسع عشر، وبدايات القرن العشرين، ليشير إلى أن جميع البلدان الأوروبية، بل ومناطق أخرى في العالم مثل الأرجنتين والولايات المتحدة الأمريكية، عرفت كلها حركات اجتماعية تحت عنوان عريض هو المطالبة بالحرية، والتي أطلقت على الذين كانوا وراءها وعمادها الرئيسي صفة «الفوضويين». ويغطي بالدراسة، الفترة الواقعة منذ سنة 1860، في برشلونة، وحتى مطلع عقد الثمانينات في القرن الماضي.

في الكتاب ذاته، يروي وينتروب الكثير عن مفاوضات فيرمين، ورحلاته بين بريطانيا والمغرب والجزائر، أملا في نشر الدعوة إلى فكر فوضوي تحرري، وكيف اختار الصحافة لنشر عقيدته النضالية، من خلال إشرافه على جريدة «المتحرر» التي كانت تصل إلى مدن في شمال المغرب.

بعد أيام قليلة على عودته إلى قادس قادما من مدينة طنجة، وتحديدا في سنة 1907، توفي زعيم الحركة الفوضوية بطريقة «فوضوية»، حيث سقط من سريره وهو غارق في نومه، والنتيجة نزيف داخلي عجل برحيله، وسط استغراب أفراد أسرته وساكنة مدينة قادس.

خلال مراسم دفن جثمانه، فوجئت السلطات الإسبانية بتدفق جماهيري رهيب، حيث فاق عدد مشيعيه إلى مثواه الأخير 50 ألف شخص، جاؤوا إلى قادس من مختلف ربوع العالم، من أجل الوداع الأخير لزعيم الفوضوية وعاشق طنجة.

 

إيف لاكوست.. العالم الفاسي أول واضع للخريطة الجيوسياسية للعالم

ولد إيف لاكوست في شهر شتنبر سنة 1929، في مدينة فاس، حيث أمضى طفولته قبل أن يصبح مدرسا. نشأ الفتى وسط الكتب والخرائط، فقد كان والده جان لاكوست عالما جيولوجيا، مهمته وضع خرائط للجنوب المغربي، فكان دائم الترحال بين البلدان.

أصر الوالد على أن يتابع ابنه دراسته العليا في باريس، فحصل على شهادة التبريز في الجغرافيا، حينها تلقى تعيينا في الجزائر العاصمة التي عمل بها مدرسا في الفترة ما بين سنتي 1952 و1954، وهناك تعرف على رفيقة دربه كاميل ديجاردان، التي كانت عالمة الأعراق، وخلال وجوده في الجارة الشرقية ساهم في نضال الجزائريين من أجل نيلهم الاستقلال، من موقعه كعضو فعال في الحزب الشيوعي الفرنسي، ما أغضب السلطات الفرنسية الحاكمة التي أوقفت مسيرته كمدرس، ورَحلته إلى فرنسا. لكن لاكوست كان قد استغل عبوره في الجزائر لإنجاز بحثه لنيل شهادة الدروس المعمقة في الجغرافيا، ومنها أرسى أولى دعائم البحث الجيوسياسي في المنطقة.

حين اشتد عليه الخناق بحث عن قناة تواصلية لتصريف أفكاره، فأسس مجلة «هيرودوت» الشهيرة، حيث كان مديرها بموازاة مع مهنته كأستاذ في الجامعات الفرنسية، وأحد أهم الاختصاصيين الفرنسيين في ميدان الجيوسياسة.

تردد إيف كثيرا على المغرب، حيث حرص على زيارة البيت الذي ولد وترعرع فيه، بل إنه استثمر زيارته إلى المغرب والجزائر، لينجز العديد من الدراسات حول منطقة المغرب العربي، جمعها في كتاب تحت عنوان: «المغرب، شعوب وحضارات»، وكتاب آخر عنوانه: «ابن خلدون»، وهو أيضا مؤلف للعديد من الكتب التي أصبح بعضها مرجعا في ميدانه مثل «قاموس الجيوسياسة»، وله كتاب شهير يحمل عنوان: «الجغرافية تخدم أولا في صنع الحرب».

دعي لاكوست إلى المغرب مرات عديدة، حيث قدم استشارته للحكومات المغربية عشرات الخرائط والجداول الإحصائية التي استقاها من الهيئات المختصة، حين كانت الإدارة المغربية في طور التأسيس. وزار مسقط رأسه فاس، حيث قدم عرضا حول رهانات الزمن الحاضر الجيوسياسية، تعرض فيه للرهانات الساخنة في العالم، مثل طرق البترول، وحروب المياه، ونزاعات الشرق الأوسط، والدور التركي في الغد المنظور، ومكانة الصين بين القوى العظمى خلال القرن الحادي والعشرين، وكأن الرجل يقرأ في السبعينات كف العالم.

سار الباحث الجيوستراتيجي الفرنسي إيف لاكوست على خطى مواطنه، المؤرخ فرنان بروديل. فكما كتب بروديل عن البحر المتوسط في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، قام لاكوست في سنة 2006 بإصدار كتابه «الجغرافية السياسية للمتوسط»، وفيه خصص حيزا كبيرا للمغرب، ومن الطبيعي وهو الفرنسي أن تحظى الجزائر لديه أيضا باهتمام خاص.

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى