شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

طريقة الاستعمال

 

مقالات ذات صلة

يونس جنوحي

 

الأزمة الأخيرة بين الرباط وباريس لن تكون الأخيرة بالتأكيد ما دام هناك فرنسيون لا يزالون يفكرون مثل «ريكارد».

هذا الرجل لمن لا يعرفه، هو صاحب دليل «Le Maroc»  الذي صدر سنة 1924 في طبعة تُرجمت إلى الإنجليزية.

هذا الكتاب، الذي طُبع في الدائرة السادسة بباريس، بالضبط في شارع سان جيرمان، كان يتحدث عن المغرب كما لو أنه «جناح» في متجر كبير اسمه إفريقيا، يحتاج الفرنسيون إلى الإرشادات قبل التسوق منه أو «استعماله». وطبعا فالكتاب لم يخل من «البهارات» التاريخية من منظور فرنسي.

مشكلة الفرنسيين الذين صدقوا هذا «الدليل» الذي لا يمكن اعتباره سياحيا أبدا، أنهم خرجوا بفكرة مفادها أن المغرب ليس إلا معبرا نحو إفريقيا. عتبة لا بد من المرور عبرها.

جرد الفرنسيون البلاد من تاريخ يعود إلى قرون خلت، واعتبروا أن الأراضي المغربية واعدة جدا لممارسة الزراعة والتنقيب عن المعادن ونقلها بحرا إلى مارسيليا وبوردو.

وحسب ما جاء في الدليل، فإن السيطرة على المغرب تعني ضبط الحركة البحرية في جبل طارق وفي المحيط الأطلسي، وهو ما لا يمكن الوصول إليه أبدا باستعمار بلد آخر فوق الخريطة.

السيد ريكارد كان فرنسيا استعماريا وليس كاتبا متجردا. فقد كان يمارس الدعاية لفرنسا ويعتبر أن حرب 1914 – 1918 التي أزهقت أرواح عشرات الآلاف من المغاربة شرقا وغربا، لم تكن إلا عملية تقنية على الأرض لتسهيل تأسيس المراكز الإدارية الفرنسية التابعة للمارشال ليوطي.

لا قيمة عند الفرنسيين للخسائر ما دامت أعراضا جانبية.

الدليل يبدأ هكذا، بهذه الجملة: «المغرب، البعيد جدا عن الحضارة الغربية، يخطو سريعا في طريق التطور منذ 1912، عندما انطلقت الحماية الفرنسية والإسبانية للبلاد».

هذا الكلام يعني أن المغرب كان بعيدا جدا عن الحضارة وأنها لم تبدأ بالنسبة إليه إلا عندما جاء بها الفرنسيون. وهذه المغالطة التاريخية وحدها كافية لجعل هذا الدليل حطبا لمدفأة من تلك التي بناها الفرنسيون في أركان منازل إقامات المسؤولين الكبار الذين تولوا تسيير الإدارات.

وللإنصاف فإن الاقتباس أعلاه لم يكن من تأليف السيد «ريكارد»، وإنما لـ«مارسيل مونمارشي» الذي كتب توطئة هذا الدليل، وكان يشغل وقتها رئيس تحرير «الدليل الأزرق»، وهو سلسلة من المنشورات الدعائية والسياحية.

يضم هذا الكتاب 12 خارطة و65 صورة تصور المغرب كما لو أنه بلد قاحل. وغلاف الدليل يضم صورة لسيدة مغربية لا تظهر ملامحها، واقفة على سطح منزل قديم، وخلفها جبل.

المثير أن الكتاب يعد «دليلا للاستعمال»، ويوصي القراء بضرورة تفحص أسماء المناطق قبل البحث عنها داخل الدليل، مشيرا إلى أنه وضعها رهن إشارتهم بطريقة «المنجد» لكي يسهل العثور عليها والقراءة عنها قبل شد الرحال إليها.

دليل الاستعمال هذا يكرس لعقلية التجول في حديقة أو متحف، وهي التي لا تزال تسيطر على السياسيين في الإليزيه واليمين الفرنسي. هؤلاء لا يزالون يرون المغرب على أنه امتداد لفرنسا وليس بلدا كانت قد فرضت عليه الحماية الفرنسية في سياق دولي وخاض معركة لعقود لكي ينفضها بعيدا.

كان هناك وطنيون مغاربة ممن زاروا الشرق أمثال الوطني محمد بن الحسن الوزاني، وخلصوا، منذ سنوات الحماية الفرنسية، إلى أن المغرب كان غير محظوظ عندما أصبح تحت الحماية الفرنسية، إذ عقد مقارنة بين الدول التي كانت تحتلها بريطانيا والأخرى التي وقعت تحت الاستعمار الفرنسي، وخلص إلى أن الحماية أسوأ بكثير من الاستعمار. إذ إن الأخير يأتي بعد إلقاء القنابل وإمطار الأبرياء بالرصاص، بينما الحماية تأتي بعد كل هذا، بل وتفرض القيود أيضا. وحتى لو ألغيت فإن بنودها تبقى راسخة في أدمغة من يملكون مفاتيح باريس.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى