قد يرى البعض أكل الصراصير والديدان والقشريات أمرا مقززا للغاية، إلا أنه في دول الغرب أصبح الناس يتقبلون تذوق هذه العناصر الغذائية شيئا فشيئا، خصوصا بعد قرار الاتحاد الأوروبي الذي سمح بتناولها ووضع قوانين جديدة تجعلها تدخل في صناعة عدد كبير من المنتوجات الغذائية، كالخبز والبسكويت والمعكرونة والبيتزا والبطاطس المقلية وغيرها. ولتشجيع المواطنين على الإقبال على الصراصير والديدان، لجأت سويسرا إلى طرق تحفيزية جديدة.
ثقافة قديمة في الغرب
منذ القديم وسكان الغرب يأكلون الحشرات، لكن أخيرا عندما نشرت منظمة الأغذية والزراعة تقريرا من 200 صفحة يروج لمزاياها، سارع المستثمرون إلى استثمار مليارات الدولارات في أعمال تربية الحشرات لإطعام الحيوانات. وظهرت عشرات الشركات في الولايات المتحدة وأوروبا لقطع الطريق على بيع الحيوانات، وفي المقابل بيع الحشرات مباشرة إلى الناس كنوع من الإحياء للثقافة القديمة.
لكن في السنوات التالية، بدأت الشركات الناشئة في قطاع الحشرات في التدهور. وكانت إحدى المشكلات هي الجهات التنظيمية الأوروبية، التي لم توافق بعد على الحشرات للاستهلاك البشري، حين بدأت الشركات في البيع.
صودرت سلع شركة «Green Kow» وهي شركة بلجيكية تصنع وجبات خفيفة من الديدان، من قِبَلِ السلطات الإيطالية في معرض للأغذية في ميلانو. انسحبت الشركة في عام 2019، بعد أن عجزت عن تحمل عبء السعي إلى الحصول على موافقة من الاتحاد الأوروبي.
ودشن باستيان راباستنز، مؤسس شركة «Jimini’s» ومقرها باريس، والتي تبيع ديدان دقيق الكراميل بالزبدة المملحة وجراد الكاري الأصفر ومجموعة من الأطعمة الأخرى القائمة على الحشرات، في عام 2014 معركة قانونية استمرت عاما مع الحكومة الفرنسية، بعد أن صادرت محافظة باريس 209 صناديق من الحشرات في معرض للطعام. وصل النزاع إلى محكمة العدل الأوروبية، التي انحازت إلى راباستنز في عام 2020. وقال راباستنز: «لم نواجه مشاكل في جعل الناس يجربون الحشرات لمرة واحدة. التحدي الحقيقي بالنسبة لنا هو أن هذه لن تكون لمرة واحدة فقط».
وفي سويسرا، تمكنت شركة Essento» » من إقناع أكبر سلسلتي سوبر ماركت في البلاد ببيع منتجاتها، وهو إنجاز كافحت شركات الحشرات الصالحة للأكل لتكراره في أماكن أخرى بأوروبا. تقوم الشركة بتربية ديدان الوجبات في منشأة صغيرة في التلال، شمال زيوريخ.
فالعملية بسيطة، حيث يُوضَع البيض الصغير على حبوب عضوية في أكوام من الصناديق البلاستيكية، مع إضافة القليل من الماء. وتكون الديدان جاهزة للحصاد في غضون أسابيع.
سويسرا بلد الشوكولاطة والجبن
أصبحت سويسرا في عام 2017 أول دولة أوروبية تسمح ببيع الحشرات كغذاء للبشر، لكن مواطنيها لا يزالون يشمئزون من أكل الديدان والصراصير. لذلك بادرت إلى تشجيعهم على تناولها، من خلال توظيف الشركات المتخصصة في الصناعة الغذائية التي تحتوي على الحشرات والديدان، بعض الناس للقيام بجولات ميدانية لتذوق الحشرات أمام المستهلكين المحتملين. وعلى سبيل المثال، قامت إحدى الشركات التي تبيع الحشرات للاستهلاك البشري، بتنظيم حدث لتذوق الحشرات في المدارس الإعدادية، على مدى السنوات الأربع الماضية، للترويج لفوائد أكلها وتناول العينات أمام الطلاب.
وقالت إحدى الشركات إن الشباب في هذه المرحلة العمرية يكونون أكثر انفتاحا على التجديد، ولذلك في مرحلة ما، إن لم يكن غدا، سيضعون الحشرات في نظامهم الغذائي.
قرار الاتحاد الأوروبي
أقر الاتحاد الأوروبي قوانين جديدة تسمح باستخدام الصراصير المنزلية ويرقات الدودة القشرية، كغذاء لشعوب دول الاتحاد.
وبدأ تطبيق هذه اللوائح الجديدة بالفعل، وتشمل استخدام الصراصير المجمدة أو المجففة أو في صورة مسحوق. أما يرقات الدودة القشرية، فقد سمح باستخدامها في الطعام.
وكان الاتحاد الأوروبي قد وافق على قواعد مماثلة بشأن اعتبار الجراد المهاجر ويرقات الدودة الصفراء من أصناف الطعام للبشر. وتبحث المفوضية الأوروبية حاليا 8 طلبات إضافية، لترخيص تناول الحشرات كغذاء. ويجب أن يحمل غلاف الأطعمة التي تحتوي على الحشرات في الاتحاد الأوروبي، على إشارة إلى ذلك، تشمل اسم نوع الحشرة.
ووفق تقييم المفوضية الأوروبية، فإن صراصير المنزل ويرقات الديدان القشرية آمنة للاستهلاك الآدمي، بيد أنها قد تشكل خطرا على الأشخاص الذين يعانون من الحساسية الغذائية. وتعتبر الحشرات غنية بالبروتين، وهي جزء من الأكلات الشائعة في العديد من الدول.
وبدورها سمحت السلطات الصحية في إسبانيا، بطرح نوع جديد من الأطعمة، يصنع من مسحوق صراصير الليل. وأفادت وسائل إعلام إسبانية، بأن التصريح الصحي يسمح بشراء وبيع مسحوق صراصير الليل منزوع الدهن جزئيا. وبعد المصادقة على القانون وصدوره في الجريدة الرسمية، سيصبح رسميا ساري المفعول. وتم إدراج هذا الغذاء بناء على طلب قدمته شركة «Cricket One Co. Ltd»، في يوليوز 2019.
وقالت تقارير ألمانية إنه بالنسبة إلى العديد من الأوروبيين، فإن فكرة أكل المخلوقات التي تتلوى أو تزحف بأي شكل ليست جذابة تماما. لكن الحشرات، التي تعتبر طعاما شهيا بالفعل في المطاعم الراقية حول العالم، تعد جزءا طبيعيا وصحيا من الأنظمة الغذائية في البلدان من المكسيك إلى تايلاند.
وقال تقرير الوكالة الألمانية: «إذا استبدلت الصراصير المقلية وسلطات الديدان بعض شرائح اللحم والهامبرغر، فيمكنها أن تلعب دورا صغيرا في منع انقراض الأنواع والحد من تغير المناخ».
وتضيف الوكالة الألمانية: «قد يكون إقناع الناس في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بتناول المزيد من الحشرات أمرا صعبا، فثلاثة أرباع المستهلكين الأوروبيين غير مستعدين لمبادلة اللحوم بالحشرات و13 في المائة غير متأكدين، وفقا لتقرير عام 2020 الصادر عن منظمة المستهلك الأوروبية، وهي مجموعة مظلة يمولها الاتحاد الأوروبي جزئيا».
واعتبرت هيئة سلامة الأغذية الأوروبية (EFSA) أن الطعام المصنوع من مسحوق صراصير الليل، آمن في استخدامات، مثل دقيق الخبز واللفائف متعددة الحبوب والبسكويت وأعواد الخبز وألواح الحبوب والمعكرونة والبيتزا والبطاطس المقلية.
يذكر أن دراسات علمية كانت قد أكدت أن الحشرات قد تكون البديل المثالي للبروتين، في المستقبل، لاحتوائها على عناصر غذائية عالية القيمة.
فنلندا.. أول رغيف من مسحوق الصراصير
في فنلندا، بدأ مخبز فنلندي بالتجديد في منتجاته إلى مدى غير معتاد، إذ طرح ما وصفه بـ«أول رغيف في العالم تدخل الحشرات في إنتاجه». ويحتوي هذا الرغيف الذي يصنع من مسحوق صراصير الليل المجففة والطحين والبذور على نسبة من البروتين أكثر من الخبز العادي، بفضل مسحوق الحشرات، حيث يحتوي الرغيف الواحد على نحو 70 صرصورا، ويباع بما يصل إلى 3.99 أورو (4.72 دولار) مقارنة مع اثنين إلى ثلاثة أوروات للرغيف العادي.
وقال مدير المخبز: «يقدم للمستهلك مصدرا جيدا للبروتين ويمنحه وسيلة سهلة للاعتياد على الأطعمة المعتمدة على الحشرات».
في فرنسا.. معكرونة الدود الأصفر
من جهته، قرر الطباخ الفرنسي لوران فييه تقديم أطباق مختلفة في مطعمه، حيث تحتوي القائمة على سلطة روبيان مع دود القبابي (الدود الأصفر)، والحشرات المقرمشة المقدمة فوق طبقة من الخضروات، والجنادب المغطاة بالشوكولاطة. وحظيت أطباقه المنمقة بإشارات إعجاب وهمهمات تلذذ من زبائنه المغامرين.
ومن بين الأطباق المطلوبة التي يطلبها الزبائن لأول مرة من خوض المغامرة، طبق من المعكرونة المصنوعة من دقيق (طحين) دود القبابي والبطاطا الحلوة ويرقات الحشرات المقلية.
ويمكن أن يوفر دود القبابي والحشرات بشكل عام مصدرا مستداما للغذاء في المستقبل، يسبب القليل من انبعاثات الكربون. ولكن بالنسبة إلى فييه التحدي مزدوج، فهو يسعى إلى الترويج لأطباقه بين الناس، وتعلم كيفية تحويل الحشرات لطعوم مستساغة. ويقول: «علينا أن نجد النكهات الصحيحة والإضافات الصحيحة، وهذا كله مبهر. أي طاه سيقول لك ذلك».
في هولندا.. دروس في طبخ الدود
في هولندا، تم فتح مطاعم لتقديم وجبات أكل من الدود، كما تقدم للناس دروس في طريقة طبخ أكلات بالدود أو مختلف أنواع الحشرات، كبديل عن اللحم. ورغم أن غالبية الزبائن يجربون تلك الوجبات مرة واحدة، إلا أن خبراء كالبروفيسور فان هويس من هولندا يشدد على أهمية توعية الناس بإيجابيات تناول وجبات من الحشرات بشكل مستمر، خصوصا أن حشرات كالدود مليئة بالبروتينات، ويمكن أن تكون بديلا للحليب واللحوم.
ويرى الخبير الهولندي أنه يمكن أكل الدود كليا من دون رمي بعض أجزائه، على عكس لحوم الدجاج أو الخنزير التي يجب التخلي عن 55 في المئة منها، لأنها غير صالحة للأكل. ويرى الخبير الهولندي أن هذا دليل مُقنِع للتحول إلى وجبات الحشرات كبديل. ولا يخفي البروفيسور فان هويس أن تغيير عادات الأكل لدى الناس من اللحوم إلى الحشرات، يحتاج إلى الكثير من الوقت.
«الديدان الخارقة» في الكويت
أما في الكويت، فقد كشف رجل الأعمال الكويتي جاسم محمد بوعباس أنه أمضى سنوات في تربية «الديدان الخارقة» المهمة للنظام الغذائي عند الحيوانات، وأصبح يأمل الآن في أن تجد هذه الديدان طريقها إلى أطباق مواطني الخليج.
فقد أوضح بوعباس أنه يمارس هوايته في غرفة مظلمة صغيرة خارج مدينة الكويت، حيث يرتب يرقاته المقبلة على التشرنق في علب صغيرة شفافة، ويحرص على توضيبها في أدراج خشبية صنعها برفقة شقيقه، بينما يضع الخنافس المقبلة على التزاوج في علب بلاستيكية كبيرة، فرشها بأرضية من النخالة. كما أوضح بوعباس أن طموحه يكمن في أن تكون الديدان بديلا غذائيا ناجحا للإنسان.
ويقضي الشاب الكويتي ساعتين معها كل يوم، فيطعمها الشوفان والنخالة وقطع البطاطا والجزر، ويتأكد من ملاءمة درجة الحرارة التي يجب ألا تقل عن 22 درجة مئوية، وعادة ما ينتج ما بين ثلاثة آلاف وستة آلاف دودة كل ثلاثة أشهر، وأحيانا يصل العدد إلى عشرة آلاف.
وعادة ما يستهلك كبار السن في الكويت ودول خليجية أخرى الجراد طريا أو مقرمشا، بعد تحميصه أو تجفيفه. ويعتبره البعض طعاما شهيا، على الرغم من تراجع استهلاكه في العصر الحديث. وفي حين لم تتم الموافقة بعد في الكويت على الاستهلاك البشري للديدان، التي يتهافت عليها مُلاَّكُ الطيور النادرة والزواحف والأسماك والسناجب في منطقة الخليج، يأمل بوعباس في أن يكون الناس على استعداد لتجربتها. ويهدف إلى توسيع نطاق أعماله ليبيع الديدان في مطعم مخصص لذلك، وهو يقوم بتجربة الوصفات قبل الحصول على إذن من السلطات الكويتية، وقد أنتج حتى الآن ثلاثة أنواع من الصلصات.
ويقول بوعباس إن افتتانه بأسرار «الديدان الخارقة»، دفعه للسفر إلى تايلاند في سنة 2018 لمعرفة المزيد عن الحشرات الصالحة للأكل، والتي تعتبر وجبة خفيفة شهيرة هناك. وقال: «في البداية، كنت أتقزز منها، لكن نجاحي دفعني اليوم إلى التعود على هذه الديدان وفهم سلوكياتها والأخطار التي يمكن أن تهدد حياتها».
فوائد لا تحصى
تعتبر الحشرات من الأطعمة الشائعة والمحببة، في قارة آسيا والدول الأوروبية أخيرا. كما تقدم المطابخ الإفريقية والأمريكية اللاتينية، سيما المكسيكية، أصنافا من المكونات الزاحفة على طبق الطعام. وقد تكون هذه مقلية، أو مسلوقة، أو ملفوفة بعجينة، أو حتى حية.
وتقدر منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو)، أن أكثر من ملياري شخص يتناولون الحشرات بانتظام في جميع أنحاء العالم، حيث يجري تناول 527 نوعا حشريا مختلفا في 36 بلدا من إفريقيا، و29 بلدا آسيويا و23 بلدا من الأمريكتين.
وباعتبارها من اللافقريات، فإن حاجة الحشرات إلى الغذاء تقل كثيرا عما تتطلبه الخنازير أو الأبقار. وفي المعدل العام، تستهلك الحشرات كيلوغرامين من الغذاء لإنتاج كيلوغرام من «لحم الحشرة».
وفي المقابل، تتطلب الماشية 8 كيلوغرامات من العلف لإنتاج كيلوغرام واحد من اللحم البقري، بحسب منظمة «الفاو». وحيث تستهلك الحشرات موارد مائية وأراضي تقل بكثير عن الماشية، ولا تنتج سوى كسرا ضئيلا فقط من العوادم كالميثان، والأمّونيا، والغازات الأخرى المسببة للاحتباس الحراري وفضلات السماد الملوثة، فإنها تعتبر البديل الأخضر للحوم.
كما تعتبر الحشرات ذات فوائد صحية للإنسان، لاحتوائها على نسبة عالية من البروتين والعناصر الغذائية الأخرى عالية الجودة مقارنة باللحوم والأسماك، بحسب «الفاو» أيضا.
وعلاوة على ذلك، فإن مخاطر نقل الحشرات للأمراض الحيوانية على شاكلة أنفلونزا الطيور أو جنون البقر منخفضة. كما تمت مناقشة تناول الحشرات كغذاء بشكل مكثف، في معرض إكسبو ميلانو 2015، المخصص لموضوع التغذية.