يونس جنوحي
الله وحده يعلم ما إن كان المسؤولون في وزارة الثقافة يعرفون أن سلسلة نادرة جدا من الطوابع البريدية المغربية معروضة في منصة عالمية شهيرة لعرض الطوابع البريدية النادرة حول العالم.
وبدل أن نستقي معلومات عن هذه السلسلة المحدودة التي صدرت بمناسبة ذكرى فيضان نهر سبو الذي يعود إلى سنة 1963، من إدارة بريد مغربية، ها نحن نستقي قصتها من الضفة الأخرى للكرة الأرضية.
الفيضان وُصف بالكارثي، إذ «ثار» نهر سبو وتسبب في خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات.
في يناير 1963 عرف المغرب تساقطات مطرية غزيرة أثرت على منطقة الشمال ودمرت عشرات القرى وأزالتها مياه السيول حرفيا من الخريطة. آلاف قطعان المواشي جرفتها الوديان لتستقر تحت أمتار في المحيط الأطلسي. قُطعت خطوط الاتصالات وصارت مدن الشمال معزولة تماما عن الرباط.
صحف العالم كله تقريبا تحدثت عن هذه الكارثة الطبيعية غير المتوقعة، ووصفتها بـ»الكارثة الوطنية في المغرب». الموتى، الذين جرفتهم السيول أو قضوا غرقا داخل قراهم، كانوا بالعشرات، بينما آلاف الجرحى كانوا ينتظرون الإسعافات.
وبسبب تلك السيول ألغيت احتفالات عيد الأضحى في تلك السنة حُزنا وحدادا على الموتى والجرحى والمشردين والأيتام.
وهكذا صدر طابعان بريديان بهذه المناسبة الأليمة. أحدهما سبق أن صدر سنة 1956 ويحمل صورة الملك الراحل محمد الخامس، لكن أعيد طبعه وأضيفت فوقه عبارة «فيضانات 1963» باللون الأحمر القاني، وعرف ثمن الطابع زيادة خُصصت لتمويل صندوق دعم ضحايا تلك الفيضانات. بالإضافة إلى طابع آخر كُتب بالأحمر، وكلا الطابعين كان مصحوبا بورقة توضيحية تحمل خارطة شمال الرباط، توضح حدود المنطقة المتضررة بالفيضان.
وفي صباح الثالث والعشرين من شهر ماي، بعد مرور خمسة أشهر على الحدث الأليم، جرف نهر ملوية، هذه المرة، كل شيء أمامه وأزال قرى بأكملها من الخريطة وضرب منطقة الأطلسين الكبير والمتوسط، وخلّف أزيد من 170 ضحية وآلاف الجرحى. قوة هذا الفيضان الأخير أثرت في شكل سد محمد الخامس، الذي كان واحدا من أولى السدود التي بُنيت في المغرب نواحي وجدة، وتسبب في هدم جزء من جدار السد وهو ما جعل المهندسين يقفون حيارى أمام الكارثة.
كلا الطابعين البريديين يحمل عبارة «المغرب الأقصى» التي كُتبت بخط مغربي أصيل.
وحسب الخبراء، فإن قيمة الطابعين لا تقدر الآن بثمن، بحكم أنهما صدرا في مناسبة أليمة وبكمية محدودة وُجهت أساسا لتمويل صندوق التضامن مع الضحايا وإعادة إصلاح منازل المتضررين ومزارعهم وتعويضهم عن آلاف رؤوس الماشية التي نفقت في لحظات.
من المؤسف، فعلا، أن نستقي معلومات عن طوابع بهذه القيمة من منصات أجنبية متخصصة، بينما في المغرب لا توجد ولا منصة للتعريف بطوابع مغربية من هذا النوع. علما أن هناك مواطنين مغاربة يتوفرون على مجموعات نادرة من الطوابع البريدية، تبلغ قيمتها ملايين الدراهم، وهؤلاء ليسوا أثرياء بالضرورة، بل يجمعهم حب امتلاك الطوابع البريدية التي يحصلون عليها من أرشيف هواة جمع الطوابع أو من خلال أرشيف العائلات، ولم يدفعوا مبالغ كبيرة للحصول عليها.
ماذا لو أطلقت مسابقة مغربية لعرض الطوابع التي صدرت في محطات تاريخية حاسمة من تاريخ المغرب، خصوصا وأن بعض هذه الطوابع انقرضت تماما وقد يكون ما تبقى منها في حوزة بعض هواة جمع الطوابع، داخل المغرب أو خارجه، وحتى لو أراد صاحبها أن يعرضها أمام المغاربة، فلن يجد حتى من يستقبله في باب الإدارة!