شوف تشوف

الرأي

ضعوا أحذيتكم أمامكم

ما أكثر الأحذية حين تعدُّها، لكن لا أحد يطلب خدمات ماسح الأحذية. فنحن نمسح أحذيتنا في بيوتنا قبل الخروج.. ونخرج بأحذية لامعة وبوجوه لامعة وبأكاذيب لامعة. نغير جلودنا كالثعابين كي نبدو أكثر بريقا. ندخل إلى المساجد ونضع أحذيتنا أمامنا. فهناك دائما لص يتربص بأحذيتنا.. لص ضيق الأفق، لا يرى أبعد من أقدامنا.. وهو لص يعيش بيننا ويصلي معنا ويُسبّح مستعملا حبات سُبْحاتنا. وندخل إلى المساجد وقد ننسى أن نغلق هواتفنا الذكية، فيتصل بنا اللص نفسه في عز خشوعنا ليثير البلبلة في إيماننا، فاربط الاتصال بالخالق واقطع الاتصال بالمخلوق. وبعد الصلاة، يمكنك الجلوس مع اللص نفسه ليقتسم معك الغنيمة من غزوته المظفرة على أحذيتنا. فهل تريد مني أن أقول لك كلاما يرقص له قلبك طربا، أم تريد مني تلميع حذائك قبل أن نخرج سويا لسرقة الزرابي، أم ذهب بك تفكيرك بعيدا وتريد سرقة المصاحف؟
سأقول لك كلاما يُفرح قلبك. أوضاعي المعيشية في تحسن مستمر رغم هبوب رياح قوية زعزعت ثقتي بنفسي، مع احتمال تكوّن سحب داكنة في مستقبلي. أما البحر فهو هائج إلى كثير الهيجان، لذلك لم أعد أصطاد السمك بل أصبحت ألتقط الحلزون. فهل تعطيني قليلا من القطن كي أسد به أذنيَّ؟ لا أحتمل سماع ما يردده الحاقدون عن حكومتنا التي تحبنا. أكاذيبهم لا تنتهي.. تردّي الخدمات الصحية.. أكاذيبهم لا تنتهي.. ارتفاع نسبة البطالة.. أكاذيبهم لا تنتهي.. انهيار القدرة الشرائية. أنا مثلا.. قدرتي الشرائية بألف خير لأنها تجاوزت مرحلة الخطر وأخرجوها من قسم الإنعاش وهي الآن تستجيب للعلاج. والدليل هو أنني، هذا الصباح، تمكنت من الجلوس في مقهى وتناولت فطورا شهيا وأديت الثمن كاملا للنادل، بل نفحتُه بعض الدراهم على سبيل «البقشيش».
سأقول لك كلاما آخر يُفرحك. وليطمئن قلبك.. لن تسمع مني ما يُبكيك.. فمنذ فتحت هذا الدكان وأنا لا أبيع إلا الضحك.. تلك بضاعتي التي لا ترد إلي لأنها مطلوبة في السوق. ستضحك حتى تدمع عيناك، لذلك وفرت لك علب المناديل لتمسح دموعك. ابك بلدي الحبيب ودعني أطرح عليك سؤالا: هل الأسبقية للطرق أم لقُطّاع الطرق؟ فمتى تبني لي طريقا توصلني إلى البرلمان كي أنام قليلا قبل حلول موعد قطع الطريق؟
كم مرة في اليوم تضع يدك في جيب الوطن؟ وأنتِ سيدتي.. كم مرة في اليوم تضعين يدك في الماء؟ أقلتِ أربعين مرة؟ سيدي، سيدتي.. حافظا على طراوة اليدين بارتداء القفازتين. فإذا سرقت فلا تنصب.. لأن القانون يمنع الجمع بين وظيفتين، لذلك أنصحك بامتهان السرقة لأنها ستفتح لك آفاقا واسعة.. وليس شرطا أن تكون حاصلا على شهادات عليا، تكفيك شهادة الوفاة. وفاة ضميرك المستتر. هل ضميرك مازال حيا؟ إذن افعلها الآن ولا تتردد. أجهز عليه. ينبغي خنقُه حتى الموت. ينبغي رمي الجثة في حاوية القمامة.. ستجد فيها الكثير من الجثث المتعفنة لضمائر مقتولة. أما إذا أردت أن تمتهن النصب فيجب أن تحصل على تصريح من نقابة النصابين المحتالين، وأن يكون في رصيدك خمس عمليات نصب ناجحة، ولا بد من لفيف من المصلين يصرحون بشرفهم بأنك بدأت حياتك مصليا في المساجد وسارقا لأحذية المساجد، وأنك سرقت بشرف.
حياتنا مُعتمة لولا الضوء الوحيد الذي يأتي من نافذة المستقبل. فهل سنُعبّد الطرق المؤدية إلى مستقبل مشمس بدون سحب داكنة، والبحر هادئ يُغري باصطياد الأسماك الطرية والتهامها بين الصخور؟ أم سنترك قُطّاع الطرق يسرقون أحذيتنا وزرابي مساجدنا ويجعلون مستقبلنا كظيما كوجه اليتيم؟
ضع حذاءك أمامك وناد على أمهر ماسح أحذية ودعه يمسح ويمسح حتى يمسحوه. أحضر معك عُدتك: حذاءك اللامع وقفازتيك كي لا تترك بصماتك وراءك وجيوبك العميقة كي تملأها بمالنا وما علينا. وقبل أن تبدأ في قطع طريقي، سأقول لك شيئا: عندما كنت صغيرا، سُئلت ذلك السؤال الخالد: ماذا تريد أن تصبح في المستقبل؟ أتدري بمَ أجبت؟ قلتُ: أريد أن أصبح حفار قبور.. فقط كي أدفن جثث الضمائر المتعفنة.. لكنني أصبحت بائع ورد أمام المستشفى.. و«الورد جميل.. جميل.. الورد»..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى