صورة السنة
يونس جنوحي
كل المنابر الصحفية حول العالم تختار صورة تعبر عن أهم أحداث السنة. الوكالة الدولية الشهيرة «رويترز» التي تتوفر على آلاف المراسلين والمصورين حول العالم، ويغطون تقريبا كل الدول، اختارت صورة الطفل المغربي الذي وصل إلى سبتة مُطوقا جسده النحيف بقنينات البلاستيك حتى لا يغرق في البحر الأبيض المتوسط، وهو يبكي ويتوسل خفر السواحل الإسبان لكي لا يُعيدوه إلى المغرب.
هذه الصورة استطاعت التفوق على صور اللاجئين حول العالم، وصور الناجين من الزلازل والبراكين وصور المهرجانات وإطلاق الأقمار الصناعية وإنجازات الرياضيين والمُلتحقين الجدد بسجل «غينيس» للأرقام القياسية.
ملف عبور المهاجرين السريين إلى سبتة يبقى أحد المواضيع الأكثر حساسية للإسبان والاتحاد الأوربي عموما. وهذه السنة كانت عصيبة جدا في تاريخ العلاقات المغربية مع إسبانيا، خصوصا، ثم مع ألمانيا. وقد رأينا جميعا كيف أن الدفء قد عاد تدريجيا إلى العلاقات بعد استمرار المغرب في تمسكه بالدفاع عن الوحدة الترابية واعتبارها خطا أحمر لا مجال للتساهل بشأنه في علاقاته مع الدول، بما فيها الدول التي تجمعنا بها روابط تاريخية مثل إسبانيا.
صورة إبراهيم غالي، الذي اتضح أنه ليس الرئيس الفعلي للبوليساريو، وهو يحظى بزيارة من الرئيس الجزائري بعد عودته من المصحة الإسبانية التي دخلها باسم مستعار وهوية مزورة، تبقى أهم لحظات هذه السنة التي نودعها الآن، إذ إن ذاك الرجل المريض، الذي لا يحظى أبدا بأي وزن سياسي ولا تراكم تاريخي، خلق الحدث بالفعل داخل الجزائر وإسبانيا رغم أنه لم يكن معروفا نهائيا لا في الصحافة الإسبانية ولا في الدواوين السياسية، إذ إنه كان مجرد مخبر ومجند في الصفوف الخلفية في مخيمات تندوف، ثم برز فجأة على السطح. بل حتى سكان تندوف لم يكونوا يعرفونه بحكم أنه كان من الشبان الذين استفادوا من كرم الجزائر في إسبانيا وأوهم الجميع أنه مُجند لجمع الأخبار وإرسالها إلى القيادة لأزيد من أربعين سنة.
هل يوجد اليوم في الصحافة الإسبانية منبر واحد للحديث عن صحة زعيم الانفصاليين؟ بل حتى خلال فترة وجوده هناك فضلت منابر إسبانية كبرى الابتعاد عن الموضوع ولم تنبش فيه كثيرا لمعرفتها المسبقة أنها لن تصل إلى أي شيء لأن الرجل بالفعل كان نكرة ولم تكن لديه أية علاقات على مستوى القيادات.
هذه السنة عرفت حدثا بارزا يتعلق بنتائج الانتخابات التي نتجت عنها مغادرة الإسلاميين للحكومة بعد عشر سنوات من قيادة أكثر من تجربتين حكوميتين تخللتهما تعديلات حكومية. ففي مثل هذا الوقت بالضبط من العام الماضي، خرج سعد الدين العثماني، الأمين العام السابق للحزب الذي كان يقود الحكومة، وقال إن الفوز بالانتخابات الأخيرة محسوم لصالح حزبه وأن لديه مؤشرات تؤكد هذا الأمر، وهو الكلام الذي ردده قياديون آخرون في الحزب. وهكذا أعطى الأمين العام دليلا قويا على أن كلام السياسيين لا يكون صحيحا ولا مُلزما. وعندما انتهى الفرز، وظهرت نتائج التصويت العقابي الذي مُني به الحزب، رفض قياديون التعليق على النتائج، واجتمعوا في اليوم الموالي للنتائج، باعتبارهم أعضاء الأمانة العامة وأعلنوا أنهم يستقيلون بشكل جماعي، قبل أن يعقد مؤتمر جديد ويعود عبد الإله بن كيران إلى الأمانة العامة. لكنه عاد بعد أن فعّل خاصية الصمت لأول مرة في حياته.
صورة السنة في المغرب هي كل هذه المتغيرات. سحب الجزائر لسفيرها في المغرب وقطع العلاقات وإغلاق المجال الجوي أمام الطائرات المغربية وقرار إغلاق أنبوب الغاز ونشر المعطيات الزائفة بشأن الأزمة الطاقية التي تنتظر المغرب، كلها محطات من هذه السنة التي كانت بالفعل لا تُنسى. بينما السنة عند الجيران، لا تزال بالأبيض والأسود، ولم تظهر عندهم حتى نتيجة «التحميض».