صرخة الجالية
كشف رأي للمجلس الاقتصادي والاجتماعي حول الجالية عن أرقام دالة ومعبرة، هي بمثابة خليط بين الأمل والألم، بين قوة الانتماء والحسرة على السياسات الوطنية. ففي اللحظة التي تجاوزت تحويلات مغاربة المهجر هذه السنة سقف 100 مليار درهم، رغم أن 92.94 في المائة من المغاربة عبروا في التقرير عن روابطهم القوية مع بلدهم الأصلي المغرب، وبالرغم من أن 72 في المائة من الجالية المقيمة في الخارج عبروا عن رضاهم عن الخدمات عن الطرق والطرق السيارة، و65 في المائة عن تقييمهم الإيجابي لعمليات العبور عبر المراكز الحدودية..، الا أن مغاربة العالم صرخوا صرخة مدوية داخل صفحات التقرير معبرين، بأغلبية مطلقة، عن عدم رضاهم عن الصحة والإدارة والخدمات القضائية والاستثمار، حيث إن العروض المتوفرة في مجال الرعاية الصحية في المغرب غير مرضية بنسبة 84.4 في المائة، على غرار الخدمات الإدارية (71.2 في المائة)، والخدمات القضائية (65.8 في المائة) والخدمات المتعلقة بالاستثمار (59.7 في المائة).
ينبغي أن تتحول صرخة الجالية، التي جاءت في طيات تقرير صادر عن مؤسسة دستورية وليس عن حزب معارض أو تيار شعبي، إلى بوصلة حقيقية للسياسات العمومية في مجال الجالية التي جعلها الملك محمد السادس ضمن أولوياته في خطابه الأخير الموجه للأمة بمناسبة الذكرى التاسعة والستين لثورة الملك والشعب، تساءل فيه عن ماذا وفرنا لهم لتوطيد هذا الارتباط بالوطن؟ وهل الإطار التشريعي والسياسات العمومية تأخذ بعين الاعتبار خصوصياتهم؟ وهل المساطر الإدارية تتناسب مع ظروفهم؟ وهل وفرنا لهم التأطير الديني والتربوي اللازم؟ وهل خصصنا لهم المواكبة اللازمة والظروف المناسبة لنجاح مشاريعهم الاستثمارية؟
وبطبيعة الحال أن الأسئلة التي وجهها الملك إلى من يهمه الأمر في تشريع وتنفيذ وتطبيق القوانين واتخاذ القرارات، تشكل جروحا غائرة في سياساتنا تجاه أكثر من خمسة ملايين مغربي يشكلون واجهتنا في الدفاع عن البلد في الدول التي يقيمون بها.
لذلك كفى من القرارات الاحتفالية والإجراءات الظرفية تجاه جاليتنا، فهم بحاجة لسياسات طويلة الأمد وبعيدة المدى، وتصل آثارها إلى أبعد نقطة في الكون يوجد فيها أي مواطن مغربي، غير ذلك سنظل ننتج الخطاب وليس السياسات، ننتج الإنشاء وليس القرارات، نبدع في الأقوال وليس الأفعال.