شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

شيطنة الفلسطينيين

 

 

سامح المحاريق

 

 

مع كل جولة جديدة من الصراع في فلسطين وعليها، ووسط التدافع العاطفي العربي لمناصرة الفلسطينيين، تظهر مجموعة من الأصوات التي تحاول أن تحمل الفلسطينيين جزءا من المسؤولية، أو تطرحها بأكملها تجاههم، وهي الأصوات نفسها التي روجت سابقا لبيع الفلسطينيين لأراضيهم، وطالبتهم من قبل بالاعتراف بالأمر الواقع والتنازل والتعاون، وأبدت ضيقها من مقاومتهم، وأخيرا أخذت تصفهم بالابتزاز، وتلصق بهم صفات الإرهاب والبربرية.

من يغردون بذلك من مواطني دول عربية مختلفة، ويستخدمون توصيفات سلبية تجاه الفلسطينيين، وبعضهم ينتمون إلى فئة حاملي شهادات الدكتوراه التي يضعونها أمام أسمائهم، يظهرون وكأنهم لم يتوقفوا يوما أمام خريطة للمنطقة العربية، لا أتحدث عن خريطة فلسطين، فهي خريطة صغيرة، ولكن عن موقع فلسطين في الخريطة الأوسع على التقاء ثلاثة أقاليم عربية مركزية، الشام ومصر والجزيرة العربية، وأنهم لم يقرؤوا كتابا في التاريخ يوضح تفاعل المنطقة الحضاري بأكمله ووجودها بمعناه التاريخي، ومن ثم الاجتماعي والسياسي.

فلسطين ليست صراعا طرفيا في المعادلة، لا هي جزيرة بحرية، ولا إقليما بجنوب أو شمال أي دولة، ولا منطقة طائفية ساحلية أو جبلية، فلسطين هي منطقة التقاطع الرئيسية بين الأقاليم العربية المركزية، ومن خلالها يمكن تفريغ كل إقليم بمزاياه ومشكلاته، وجعله عرضة للتهديدات والسيطرة بطريقة مريحة إلى حد بعيد، وبتكلفة قليلة.

لا أفترض أن المنظرين الذين يرتدون ملابس أنيقة ويضعون تسميات لمراكز بحثية كثيرة ويظهرون في صور مع قيادات سياسية واجتماعية، اطلعوا على المسألة اليهودية في فصولها الأوروبية الطويلة. ومع ذلك، فأوروبا كنست أزمتها دفعة واحدة، وفككت «الغيتو» الذي يهدد تسويات الحداثة لتدفعه لمنطقة أخرى وهي الشرق الأدنى، الذي تحول مع الوقت إلى الشرق الأوسط، مع توسع مفهوم الشرق بالفكر الأوروبي. لم يخترع الفلسطينيون مفهوم الأمة العربية، ولم يكونوا الرافعة الأساسية في القومية العربية!

المفهوم الذي يحرك ما يفترض أنه تعاطف مفتوح، كان أساسا لتدشين الدول العربية الحديثة، لأنه منحها الهوية التي يمكن تقديمها على الساحة الدولية، فالإسلام كان تشاركا فارسيا تركيا إفريقيا، ومن غير وجود عربي واضح يقوم على أسطورة تشكل حداثية، سيصبح كثير من الأقاليم مفتوحا أمام تمدد المتشاركين، الذين يمتلكون القدرة على فرض الأمر الواقع، ولتغيب المنطقة في فوضى الجيوب الهوياتية، ومن غير خبرة تاريخية كافية ليحدث البناء المطلوب.

حصلت المشروعات العربية على وجودها، مصر رضيت بدور عربي لعوامل ثقافية مهمة، ولأنه يفيدها استراتيجيا واقتصاديا، والشام احتاجت هوية لتجمع الفسيفساء السكانية، وظهرت الدول المعروفة بالجزيرة بعد قرون من الحروب القبلية، ولكن ذلك لا يمكن أن يترك من غير برج مراقبة، لا يمكن أن نحصل على شرق هادئ بمناخ متميز ومصادر مائية معقولة وثقافة عملية، يمكن أن تتحول إلى منتجات فكرية متقدمة. هل سندعه خطرا مفتوحا يتهددنا بعدما خضنا جولات من الحروب داخل أوروبا وخارجها، وكيف نتجنب التاريخ الطويل من الصراع الذي هدد مدنا بقلب أوروبا وكل ما دفعنا من تكلفة في الحروب الفرنجية؟ هذه أسئلة يطرحها من يقرؤون ويكتبون من الأوروبيين؟ وبالتأكيد لا يمكن أن يطرحها شخص كل قدرته على التعبير لا تتجاوز المساحة التي يحددها موقع إلكتروني، ويجد في كل ما يحدث أمرا يضيق عليه مشروعاته الخاصة، أو نصيبه من المشروعات العامة. الفلسطينيون في مقدمة الصراع، ولكنه لم يكن صراعهم وحدهم، أصلا حصلوا على توصيفهم الخاص بناء على الصراع، والرجل الذي يحمل الاسم الرابع في بطاقتي كان يحمل جنسية بلد آخر لم يعد موجودا، ومعه نظريا الحقوق والواجبات نفسها لفلاحين وعمال وأفندية ببلغاريا وكردستان وتونس والحجاز. بمعنى أن فلسطين وفي وسط نشأة المشروع العربي كانت تخضع لمعاملة غير عادلة وتتحمل تكلفة موقعها في هندسة التاريخ، يجب أن لا ننصرف إلى وضع الأفكار نفسها على المصلحة الأمريكية، فالأمر كله هو استثمار أصول قائمة في المنطقة من أجل مصلحة ترتيبات عالمية مقبلة، وفي هذه المرة يتحمل الفلسطينيون عبء المستقبل بجانب ما يحملونه من ميراث التاريخ، وعلى أكتاف أطفال غزة يستلقي ذلك كله. يعايش قطاع من العرب إنكارا للتاريخ، لأن اللحظة الراهنة تبدو مثالية بالنسبة إليه، ولكنهم لا يفكرون في استدامتها بالمعنى الحقيقي، وبذلك تتغيب عنهم التهديدات بعيدة المدى، المتعلقة بتحولات جذرية على المستوى العالمي، تحولات تستثير الصراع في أبعد من مشروعاتهم الضيقة، والفلسطينيون ومنذ النكبة يعيشون في قلب صراع عالمي تتخالط فيه الرمزية الدينية والحضارية والفكرية والمعطيات العملية مثل المناخ والطاقة، ولا يمكن أن يحدث فهم متكامل للجميع على السواء، ولكن على الأقل، فإن شيطنة الفلسطينيين في بعض المراحل أصبحت مدخلا ليس للرثاء والغضب، ولكن للشفقة على وجود شخصيات تفترض بنفسها الفهم والفطنة وتتذاكى في خطابها من أجل مصالحها، والمشكلة أنها حظيت بإنفاق هائل وفرص كبيرة من أجل تلويث العقل العربي بمنتجاتها الرثة، ولا يمكن إلا أن تنتمي إلى شتائم مشجعي كرة القدم لا الأكاديميين ولا الكتاب ولا حتى أي شخصية عامة تحترم نفسها والآخرين.

 

نافذة:

الفلسطينيون ومنذ النكبة يعيشون في قلب صراع عالمي تتخالط فيه الرمزية الدينية والحضارية والفكرية والمعطيات العملية مثل المناخ والطاقة

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى