شرف البندقية السورية
بشير البكر
درجت في الآونة الأخيرة أخبار تتحدث عن مشاركة مقاتلين سوريين في نزاعات عربية ودولية، مثل ليبيا وناغورنو كاراباخ. وخرج الأمر من إطار التسريبات الصحفية إلى تصريحات رسمية، صدرت عن شخصيات سياسية دولية، مثل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي تحدث عن «مقاتلين سوريين من مجموعات جهادية انتقلت عبر غازي عنتاب للوصول إلى مسرح العمليات في ناغورنو كاراباخ». ونسبت معلومات صحفية إلى ماكرون أن عدد هؤلاء يصل إلى 300. وكان قد سبق كلام الرئيس الفرنسي بيان عن وزارة الخارجية الروسية، جاء فيه أن «مقاتلين من جماعات مسلحة غير شرعية، خصوصا من سوريا وليبيا، يتم نشرهم في منطقة النزاع في ناغورنو كاراباخ»، وغير بعيد عن القضية، ولكن من زاوية أخرى، كان موقف المجلس الإسلامي السوري الوحيد الذي جرى تسجيله في معرض تحريم قتال السوريين خارج بلدهم.
لا يبدو أن بيان المجلس الإسلامي السوري من فراغ، فهو يرفع المسألة إلى درجة المحرم، ومع أنه لم يدخل في التفاصيل، فإنه يشكل محاولة لتسجيل موقف حيال التسريبات الصحفية التي لاكت سمعة السوريين. وبرز أن هناك ماكينة إعلامية تعمل على تشويه سمعة البندقية السورية الثورية، وما تشكل لها من رصيد أخلاقي. وحتى لا يكون الحديث في العموميات، ننقل ما جاء على لسان بشار الأسد، في حديثه مع وكالة «سبوتنيك» الروسية. ووفقا له، لا دلائل على وجود مقاتلين، لكن هناك «قرائن»، متهما تركيا بنقل المقاتلين إلى ليبيا «وبالتالي من البديهي أن تنقل المسلحين إلى أذربيجان».
المرور على هذه المواقف ليس بغرض الإثبات أو النفي، لأن القضية تجاوزت هذا الحد، وما يهم هو صورة السوري التي تتعرض للتشويه بطريقة مبتذلة ورخيصة. ويبدو من السياق وعرض الوقائع أن التركيز الإعلامي على المسألة ليس بريئا، ولا يخلو من أهداف صريحة ومعلنة، وتكفي مشاركة الأسد في العملية وحدها لتبيان الهدف المقصود، والذي يذهب نحو التوظيف السياسي.
وبعيدا عن صحة الأمر من عدمه، هناك مسألة غير قابلة للنقاش بالنسبة إلى السوريين الذين ثاروا ضد نظام آل الأسد في عام 2011، أن البندقية السورية التي ارتفعت في أول الثورة للدفاع عن المدنيين السوريين في وجه توحش النظام ليست محل مساومة، وممنوع على أي كان، مهما كانت صفته، وضعها في المزاد أو توجيهها إلى غير الوجهة الصحيحة. وسواء انتصرت الثورة أو تعرضت لانتكاسة كبيرة، ومهما واجهت من محاولات تشويه، فإنها تحظى بالتفاف غالبية السوريين الذين لا يزالون ثابتين عند أهداف الحرية والكرامة. وحتى لو قامت فئة من السوريين بتأجير نفسها وسلاحها، فذلك يُلزمها وحدها، ولا يمثل الثورة. ويجب عدم تعميم الأمر على السوريين والبندقية السورية ككل. ومن المعيب أن يتم الصمت حين تجري عملية تشويه مدروسة للثورة السورية، وتدمير ما بنته من رصيد أخلاقي، بفضل التضحيات الكبيرة التي قدمها الشعب السوري، بوجه حرب الإبادة التي يشنها عليه نظام الأسد وروسيا وإيران، ومن حق الشعب السوري أن يحظى بكلمة حق بوجه حملة التشويه، فهو قام بثورة من أنبل الثورات وأعظمها في التاريخ.
وفي الختام، فإن الموقف من محاولات تشويه سمعة السوريين لا يعني تبرير ممارسات الارتزاق باسم البندقية السورية، ممن يمكن وصفهم بأمراء الحرب.