شوف تشوف

الرأيالرئيسية

شاي أم حسن

تقول الأسطورة إن اكتشاف الشاي يعود لما يقارب ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد، حين كان الإمبراطور الصيني شين نانغ مستلقيا تحت شجرة ما، فسقطت بالصدفة بعض من أوراقها في وعاء ماء مغلي كان حضره أحد الخدم، لتنتشر بعدها زراعة واستهلاك الشاي بأنواعه في جميع أرجاء العالم. فكيف تحول هذا المشروب الصحي المهدئ للأعصاب، إلى سلاح كولونيالي، أو فتيل للثورة أو «كشكوشة» مغربية مركّزة تستفز بقايا الخردة الاستعمارية الصدئة وتثير سعارها؟

مقالات ذات صلة

يذكر التاريخ كيف ألقى المئات من المحتجين الغاضبين، الذين أطلقوا على أنفسهم لقب «أبناء الحرية»، أطنانا من الشاي البريطاني على ضفاف ميناء مستعمرة ماساشوستس سنة 1773، في ما عرف بعدها بـ«حفلة شاي بوسطن». احتج الأمريكان على قوانين الاحتكار والضرائب المرتفعة التي أقرها التاج البريطاني بإيعاز من أسوأ شركة مرت على تاريخ التبادل التجاري العالمي، وهي شركة الهند الشرقية، هذه المؤسسة الاستعمارية المقيتة التي دمرت العديد من الدول الآسيوية ونكلت بشعوبها ونهبت ثرواتها وخيراتها واستعبدت أبناءها وعطلت عجلة التقدم الحضاري بها لعشرات السنين..

اعتقد ملاك شركة الهند الشرقية أن الأمريكان «حيط قصير» يسهل هدمه أو تسلقه أو حتى التبول عليه، ولكن التاريخ يخبرنا أن الشركة سيئة الذكر وقعت في شر أعمالها، حين قررت تحدي شعب كان على بعد سنوات قليلة من إقرار دستور يقدس في فصله الأول حرية التعبير.

انتهت قصة الشاي البريطاني باستقلال الولايات المتحدة، وانتهت مأساة شركة الهند الشرقية بتقسيم وبلقنة دول جنوب آسيا.

استمرت الأساطير المحيطة بالشاي بالتجول في كل من الصين واليمن ومصر، لتحط الرحال أخيرا بالمغرب. إذ يرجح المؤرخون أن وصول الشاي إلى بلادنا كان بفضل هدية قدمتها ملكة بريطانيا العظمى «آن» إلى بلاط المولى إسماعيل، أملا في إطلاق سراح مجموعة من الأسرى البريطانيين. استقبل المغاربة المشروب الجديد بحفاوة وإعجاب كبيرين، فقاموا بتطوير طرق تحضيره وابتكار طقوس خاصة لشربه وتقديمه. رافق الشاي أفراح المغاربة وأحزانهم، وزين موائدهم وأثث زوايا مجالسهم التقليدية، بما يعرف في الثقافة المغربية الأصيلة بـ«ربايع أتاي»، وهي عبارة عن مجموعة من الأواني النحاسية أو الفضية الفخمة المصقولة بحرفية وإتقان لدى صفارين العاصمة العلمية، والتي تستعمل في تحضير الشاي المغربي، ليصبح أتاي بعدها المشروب الوطني الأول للمغاربة.

فلماذا يثير الشاي بالنعناع والشيبة حفيظة بعض دول الجوار؟ هل لأنها اعتادت شرب القهوة الفرنسية المرّة التي ترفع الضغط وتخنق شرايين القلب وتصيب شاربيها بتبلد المشاعر واضمحلال خلايا الدماغ؟ لا أخفيكم أن واقعة شاي «الدحميس» ذكرتني مباشرة بمشهد مضحك من الفيلم المصري الشهير «الشحات» من بطولة عادل إمام، حين ظل «حسنين» يبحث دون جدوى عن ماركة شاي وهمية تدعى «شاي أم حسن».

تتقاطع شخصية حسنين في العديد من سماتها مع شخصية الجارة الشرقية، ككائن دخيل متطفل يتطاول على المساحة الخاصة للعباد ويقلق راحتهم ببلادته وسماجته المقيتة. لينتهي به الأمر شحاتا متشردا، يطارد اسما وهميا.

إن ما قامت به أجهزة القمع الجزائرية، مطلع هذا الأسبوع، في حق فريق نهضة بركان أثناء منافسات كأس الكونفدرالية الإفريقية، لا يمكن لنا إلا أن نصنفه تحت طائلة الجنون والعبث، بل والتبني الواضح والصريح من طرف الدولة الجزائرية للحرب الإعلامية القذرة التي يشنها العسكر ضد وحدتنا الترابية.

الجزائر، التي لا تتوقف عن اجترار أسطوانة الحياد المشروخة أمام المحافل الدولية كلما تعلق الأمر بمغربية الصحراء، ها هي اليوم ترتعش خوفا وذلا أمام قميص يحمل خريطة المملكة من طنجة إلى الكويرة. (صحيح أن مناطق شاسعة من دول الجوار اقتطعها المستعمر من حوزة الإمبراطورية المغربية لصالح الجيران، لكن ذاك حديث ليوم آخر، أو نضال آخر). أحيانا أتساءل عن الأهلية العقلية لحكام الجارة السَرَقِيّة، إذ كيف يستقيم في منطق هؤلاء العساكر الاحتجاج على سيادة دولة مستقلة بدعوى أنها تهدد سيادتهم الوطنية؟

إن مسلسل العبث الجزائري أصبح مرهقا ومثيرا للاستغراب. ففي الوقت الذي تسعى فيه دول المنطقة إلى النهوض بقطاعاتها الاقتصادية الحيوية، وخوض التحديات السياسية والاجتماعية الكبرى، يركز العسكر الانكشاري على زرع الفتنة والتوتر بإصراره على دعم وتمويل الجماعات الإرهابية التي تهدد وحدة واستقرار المنطقة المغاربية إلى جانب دول إفريقية مجاورة.

صحيح أننا كمغاربة نعي جيدا أن الحكومات لا تمثل غالبا شعوبها، حيث تبقى للسياسة حسابات أخرى..، غير أن ما نشاهده اليوم من تهجم وسب وقذف من طرف مئات الآلاف من المعلقين والصحافيين والمشاهير الجزائريين، في حق السيادة والتاريخ المغربي، يجعل التفريق بين الموقفين الرسمي والشعبي أمرا بالغ الصعوبة.

ونحن نعيش اليوم على وقع الأوراش الاقتصادية الكبرى التي تشتغل في بلادنا من أجل إصلاح وتهيئة بنية تحتية بمواصفات عالمية، بمناسبة احتضان المغرب لمنافسات دولية عريقة، لا يسعنا، كشعب مضياف يشتهر بالكرم والجود، إلا أن نستقبل المنتخب الجزائري الصيف القادم في مدينة الداخلة المغربية بأطباق معدنية فاسية ممتلئة بالتمر المجهول، وصواني أتاي الدحميس المشحر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى