شوف تشوف

الرأي

سياسي على صهوة الكرة

حسن البصري

كلما اقترب موعد الانتخابات يخرج من جحره، يزحف نحو ملاعب الكرة بحثا عن وجاهة تعرضت للصدأ طيلة فترة ولايته التي استعان فيها على قضاء حوائجه بالكتمان، فقط لأن جمهور الكرة شيمته الصبر.
كلما هم حكم الانتخابات بإطلاق صافرة البداية شوهد المرشح وهو يقوم بحركات إحماء في جنبات الملاعب استعدادا لمباراة انتخابية، كل ما تحتاجه قدرة على صد نظرات مواطنين أنهكتهم الوعود، وسيارة يضع على زجاجها الخلفي صورته الرسمية وعليها ابتسامة مستعارة.
يركب صهوة الكرة ويقسم بأغلظ الأيمان بأن الانتخابات القادمة ستكون نزيهة كمباريات الدورات الأخيرة من دوري الهواة، لكن إذا كانت الانتخابات النزيهة تكبدنا خسارات ذهابا وإيابا فلماذا لا نجرب انتخابات مزورة ونستعين بتجار المباريات وخبرتهم الطويلة في التدليس؟
مباريات الكرة كالانتخابات، لكل فريق لون وشعار وزعيم ودائرة انتخابية ووعود بالصعود إلى أعلى المراتب، لكن الحاجة اليوم تقتضي إسقاط ضوابط وقوانين الكرة على السياسة، فيسمح بتغيير المرشحين كما يغير اللاعبون على امتداد أطوار المباريات كلما أخفقوا في تسجيل الأهداف أو قصروا في أداء الواجب أو خذلتهم اللياقة البدنية وعجزوا عن ترجمة وعود الحملة الانتخابية إلى أهداف.
حين يغادر اللاعب رقعة الملعب بسبب ضعف المردودية، ينهض زملاؤه من كرسي البدلاء ليصافحوه ويشكروه على أدائه وباسم انصر زميلك فائزا أو منهزما يربتون على كتفه وكأنه رجل المباراة الذي لا يشق له غبار. هكذا يريدوننا أن نتعامل مع مستشار جماعي لا تجني منه دائرته الانتخابية سوى ضربات الجزاء الضائعة والفرص المهدرة في بطولة التنمية، بينما يقتات من مائدة الريع حتى ولو تحملت خياشيمه رائحة موقف عربات النقل العمومي.
تتيح قوانين الرياضة تغيير الوجوه، تفتح دكاكين «الميركاتو» في أجل معلوم مرتين في السنة، فيما لا يسمح باستبدال المنتخب مهما كانت النتيجة، فيصبح قدرا محتوما على الناخب إلى أن تنتهي ولايته ببلاغ من وزارة الداخلية، حينها يدخل مطبخه السياسي ويشرع في إعداد طبخة جديدة، فالمرشحون للانتخابات والمدربون هم في نهاية الأمر مجرد طباخين يعدون خطط الفوز في ملاعب السياسة والكرة، لكن طنجرة الانتخابات تحتاج لبهارات أكثر ولنباهة طباخ ولنار هادئة تعطي للوعود «البنة» التي تستحقها، وقد تحتاج على غرار فرق الكرة إلى راع رسمي حتى تكتمل الطبخة وتقدم للمستهلك برعاية وضمانة.
الفرق الصغيرة كالأحزاب الصغيرة، الأولى تنشط البطولات وتتزحلق كما يتزحلق الأطفال من مرتفع مهمل، والثانية تنشط الاستحقاقات السياسية وتمنح للكبار فرصة تحقيق أمنية العمر وللشباب لحظة لاجتياز تمرين سياسي تتعلم فيه قاعدة التدبير الجديدة «ساعة لربك وساعة لناديك». لذا ظهرت سلالة جديدة من المنتخبين تؤمن بأن ضياع الشعب يبدأ بخلطة السياسة والكرة والدين والاقتصاد والمجون.
لدواع صحية وسياسية يحتاج مرشح الانتخابات القادمة دراية واسعة بوباء القرن، عليه أن يوفر كمامات تحمل شعار ولون حزبه، حتى لا يتسلل إلى المشهد الانتخابي دعاة المقاطعة الذين يحذرون الناس من دخول غرف الاقتراع تجنبا للفيروس، وحتى لا ينتفض الناخبون في وجهه ويرمونه بلازمة: «ما اخترناه ولا باغيناه، كيفاش نجح سبحان الله».
نحن على أعتاب استحقاقات جديدة، تتوحد فيها الأماني السياسية ونطل من شرفتها على مرحلة أخرى خالية من الفيروسات ومشتقاتها، وخالية أيضا من مسيرين متحولين يريدون صحافيا مخصيا، ومنجمين على المقاس ومحللين يمسحون النكبات في مدرب وطني أعزل. هذه الفئة التي تخلط الكرة بالسياسة لا تحتاج فقط لدروس في مزايا القاسم الانتخابي أو شهادة حسن السيرة والسلوك بل لشهادة سلبية مسلمة من مختبر للأوبئة.
صدق من قال إن الرياضة هي ثاني أقدم مهنة في التاريخ لكنها تشبه الأولى إلى حد كبير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى