سلام على الأنقياء..
لا غرو أن الجمال الخارجي وجاذبية القسمات وسحر الملامح فتنة لا تقاوم!
لكنه طلاء ودهان قصير الأجل.. ويوما ما سيعض التراب لا محالة تلك القشور!
ولأنه يحمل بذرة الفناء في داخله.. فسرعان ما تطوله عوامل التعرية والفناء.. وتهد أركانه معاول الأيام..
وحده جمال الروح هو الجواد الرابح في رهان الخلود هذا..
يتوهج كألف شمس دافئة..
ويظل جوهرا صامدا في وجه الزمن..
متألقا كمعدن نفيس لا يصدأ..!
وحدهم الأنقياء يقدرون على حشد الدمع.. يمنحون الوقت حجم إبرة سلسة تجيد المشي..
وحدهم القادرون على نبش الذكريات وتحريض الورد والمطر ورائحة الأمهات..
وحدهم يحملون التعجب والدهشة والحزن وبقايا الوجع الصارخ..
وحدهم من يجعلون المساء يمضي دون أن يدري أللصبح أم للنور كله..
سلامٌ على الأنقياء.. على دمعهم.. على الوطن حين يستوطن أصواتهم..
الذين يقفون على حافة العالم يرتبون للمسحوقين طريقة الموت.. المتعالمون والأذكياء الذين يظنون أنهم في المقدمة.. كل الذين يجمعون الصباحات الملحة والأمنيات التي كسدت.. الأمهات بمساحيق التجميل وملفات الجيب التي تحمل مستقبلهن المزعوم.. كلهم سيذهبون للجحيم تباعًا..
يبقى أولئك الذين يبكون في العتمة.. تلتمع دموعهم كلما أضاء عابر شارع حيهم..
يبقى الذين يعجنون الفجر بضحكة مصطنعة تقول: كل شيء بخير..
الذين تبهت نهاراتهم وأحلامهم وواقعهم ويلوكون في صمت خيباتهم.. ليس لديهم حساب في «تويتر» ولا «فيسبوك».. في الليل فقط يفترشون قطعة قماش من فرو توصلهم بالله..
هم الذين لا يجيدون المزحات ولا السياسة.. ولا يفهمون التلميحات المريبة..
كل هؤلاء سيدخلون الجنة مع جدي..
هم.. ونحن..
نحن من نصمت في انتظار الربيع..
نحن العاكفون على الحلم والأمنيات والأوجاع.. ندوزنها على لحن لن يستفيق..!
نحن العابرون نحو الفجر والعتمة والوجهات المستحيلة..!
الصامدون أمام الأغنيات والذكريات واللوحات الحزينة..!
نحن الماضون في الصبر وفي الرجاء وفي الدقائق نحو المغيب..!
نحن العسكر الذين قضوا بلا قضية ولا وطن ولا حبيبة.. والصعاليك في انتظار الهزيمة المجنحة نحو العالم الجديد..
نحن التائهون ولم يئن بعد أن نستريح!