سعدة بلافريج.. زوجة اليازغي التي رفضت اللجوء لطلاق الضرر
رغم التحذيرات من مغبة الارتباط بخريج سجون، إلا أن سعدة بلافريج قدمت موافقتها غير المشروطة على الزواج من محمد اليازغي أحد الوجوه التي عرفت بشغبها السياسي، وقبلت أن تكون زوجة لشاب كان يعيش لعبة القط والفأر مع النظام.
كانت أسرة سعدة، سليلة عائلة بلافريج استقلالية الجذور، تقطن بجوار أسرة اليازغي، وكان محمد يلتقي بسعدة دون أن يجرؤ على الحديث إليها، وكانت سعدة تبادله الهواجس نفسها، قبل أن تتحول النظرة إلى ابتسامة والموعد إلى لقاء لتقديم خطبة رسمية، قوبلت بالموافقة الفورية، بالرغم من التنافر السياسي بين الأسرتين. لذا يتردد الرجل في الاعتراف بأن سعدة هي حبه الأول.
كانت الفتاة، فاسية الجذور، تعرف أن محمد له علاقة جدلية مع الاحتجاج، وله استعداد فطري للانتفاضة، حتى ولو كلفه الأمر فقدان منصب، كما حصل له قبيل الزواج حين شارك في إضرابات سنة 1962 وكلفه الأمر فقدان وظيفته في وزارة التجهيز، وكانت تعلم أن انتخابه عضوا في المجلس الوطني للاتحاد الوطني للقوات الشعبية ما بين 1962 و1972، سيحول دون تفرغه لشؤون البيت، وأن صحيفة سوابقه تؤكد إقامته في سجن «لعلو» وفي كثير من المعتقلات السرية والعلنية.
مباشرة بعد زواج اليازغي من بلافريج، اختطفه البوليس السري وقاده إلى سجن «لعلو»، قبل أن يحاكم في مدينة مراكش، حيث حكم بالبراءة وأطلق سراحه في 17 شتنبر 1971 بعد نقله بين سجني الرباط ومراكش.
أثناء فترة اعتقاله، همست إحدى قريبات سعدة في أذنها، واقترحت عليها إمكانية اللجوء لمسطرة التطليق، مادام الزوج يقيم في السجون والمعتقلات السرية أكثر من إقامته في بيت الزوجية، لكنها رفضت وأصرت على الاستمرار في عهدة سياسي. وحين أصرت على موقفها فوجئت بحكاية الطرد الملغوم في يناير 1973، حيث نجا محمد بأعجوبة من الغارة المدبرة، والنتيجة بتر رؤوس أصابع يده اليمنى وبتر وسطى وإبهام يده اليسرى وإتلاف طبلتي أذنيه معا، وحين تم تذكيرها بإمكانية التطليق بسبب الخطر المتربص ببيتها رفضت سعدة الأمر من جديد. بل إنها عانت من التنقل بين الرباط وميسور حين كان زوجها معتقلا في إقامة جبرية بميسور رفقة عبد الرحيم بوعبيد ومحمد الحبابي، ابتداء من ثامن شتنبر 1981. حيث كانت تصر على السفر برفقة ابنها علي الذي كان حينها صغير السن. لكن الزوجة لن تغني «المنفرجة» إلا بعد انتهاء سنوات الرصاص، وتعايش الداخلية مع اليسار، إذ أصبح محمد برلمانيا شبه دائم للعاصمة الرباط، قبل أن تهب نسائم التناوب السياسي بردا وسلاما على الأسرة، وتحول الشاب المشاكس إلى وزير بحقيبة تارة وبدون حقيبة تارة أخرى.
غالبا ما كانت سعدة ترفض الظهور في الأنشطة الرسمية للمجتمع المخملي، لكنها تمردت على هذا القرار، حين سافرت ضمن وفد حريمي تحملت الوزارة الأولى فاتورته الثقيلة، يتكون من زوجات الوزراء إلى الكويت في إطار الدبلوماسية النسائية، إذ التقى الوفد الحريمي عالي المستوى بأمير دولة الكويت لأول مرة في التاريخ السياسي للبلاد.
لكن سعدة ظلت حريصة على استغلال فرصة المكانة الاعتبارية لزوجها، كي تضع الابن المناسب في المنصب المناسب، لكن هذه الأمنية لم تتحقق لها، وما زاد الطين بلة هو سقوط ولديها في الانتخابات البرلمانية رغم ترشيحهما في مدن كانت إلى وقت قريب معاقل للاتحاديين.
وإذا كان اليازغي الأب قد ولج عالم السياسة سنة 1954 دون دعم عائلي، عندما انخرط في صفوف حزب الاستقلال، ومن ثم أسس الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية سنة 1959، فإن اليازغي الابن ولج السياسة بإيعاز من والده، وهو ما جعل الأنظار تشد إليه منذ أول مرة خطت فيها قدماه مقر الشبيبة الاتحادية، الذي حل به على متن سيارة فارهة، قبل أن يصبح الفتى كاتبا للشبيبة الاتحادية برعاية من الأب.
لكن الابن ظل في منأى عن الانتقادات الاستقلالية، نظرا لعلاقة القرابة التي تربط محمد اليازغي، القيادي الاتحادي بكثير من «صقور» حزب الاستقلال، الغريم التقليدي للاتحاديين، خاصة بلافريج أول وزير للخارجية في الحكومة المغربية، وامحمد الدويري الوزير السابق. هذه القرابة العائلية بين الدويري واليازغي ليست في الحقيقة إلا نتاج مصاهرة تختلط فيها الأنساب الفاسية.
لم تكن سعدة مجرد ربة بيت، بل إنها شاركت في كثير من السجالات السياسية، بل إن محمد الحبابي، القيادي الاتحادي، كشف عن دورها في صنع «كعكة» حكومة التناوب الأولى، وقال إن اليازغي دعاه للمشاركة في التشكيلة الأساسية للحكومة، بحضور زوجته سعدة، لكنه اعتذر بسبب تجاوزه لعتبة السبعينات، لكن زوجة اليازغي «ظلت بدورها تحثني على قبول الوزارة، مدعمة موقف زوجها الذي كان يحاول إقناعي بجدوى وأهمية العرض، لكنني رفضت»، يؤكد الحبابي.