شوف تشوف

الرأي

سد النهضة وجبهات مصر الأربع

محمد كريشان
لم يسبق للحكومة المصرية أن وجدت نفسها في وضع أصعب مما تمر به حاليا في ملف سد النهضة، فهي مدعوة حاليا إلى التحرك بنجاعة على أكثر من جبهة في الوقت نفسه، ولكن بأساليب مختلفة تبعا لطبيعة الطرف المقابل ومدى حدة الإشكال القائم معه.
أولى الجبهات وأصعبها طبعا هي إثيوبيا نفسها، التي يدل نهجها «على نية في ممارسة الهيمنة على نهر النيل وتنصيب نفسها كمستفيد أوحد من خيراته»، كما جاء في البيان الأخير للخارجية المصرية، في وقت تنظر فيه هي إلى الأزمة الحالية على أنها «قضية شرف وطني لن تتخلى عنه أبدا، مهما كانت المكاسب التي ستحصل عليها من الخارج»، وفق ما قاله أخيرا رئيس وزرائها أبي أحمد.
ما يصعّب المواجهة على هذه الجبهة، أن أديس أبابا لم تكتف بتصعيد لهجتها تجاه القاهرة، وإنما فعلت ذلك أيضا مع واشنطن، في أعقاب رفض المسؤولين الإثيوبيين التحول إلى واشنطن لتوقيع الاتفاق الذي صاغته الولايات المتحدة وقدمته كحل وسط للخلاف القائم بين بلادهم وكل من مصر والسودان، بشأن سد النهضة وتفاصيله الفنية المختلفة. إثيوبيا التي قالت إن نسبة أعمال البناء في السد بلغت 71 بالمائة، وإنها ستشرع في بدء تخزين 4.9 مليارات متر مكعب من مياه النيل في يوليوز المقبل، بالتوازي مع استمرار الإنشاءات، لم تجامل حتى واشنطن حين التفت إليها وزير خارجيتها ليقول لها إن هذا السد يقام على أراضيها تحت سيادتها الكاملة، ولا ينبغي للولايات المتحدة أو أي دولة أخرى أن تتدخل في تحديد مصلحتها وإن دور واشنطن يجب أن ينحصر في «المراقبة فقط».
ثاني الجبهات مع السودان الجار الجنوبي والشريك كدولة مصب مقابل إثيوبيا دولة المنبع، جبهة قد تكون الأكثر إحراجا للقاهرة التي كانت تعتقد أن السودان سيقف معها في مواجهة إثيوبيا، بعد تعطل المفاوضات وانسداد طريق الاتفاق، لكن للخرطوم حساباته الخاصة التي تراعي مصالحه كما يراعي أي طرف آخر مصالحه. من الأساس، سيرتفع نصيب الخرطوم من المياه بعد إنشاء سد النهضة إلى ما بين 8 و20 مليار متر مكعب، بدلا من 8 مليارات نصت عليها اتفاقية 1959، فضلا عن اتفاق التعاون الكهربائي بين سد النهضة وشبكة الكهرباء السودانية، الذي يجعلها متحمسة لضرورة سرعة الملء الأول للخزان الرئيسي، بهدف البدء في توليد الكهرباء تجريبيا في ربيع العام المقبل.
ثالث الجبهات هي مع الولايات المتحدة، التي تحرص مصر على أفضل العلاقات معها، رغم النكسة التي منيت بها جهود واشنطن في الخروج باتفاق يوقع عليه الجميع. الأمر لا يتعلق فقط بالضجة التي أثارتها إثيوبيا، عندما قالت إن دخول الإدارة الأمريكية على الخط إنما جاء بعد دعوتها للتدخل للمراقبة والتسهيل وليس للتصرف لاحقا كوسيط، وإنما أيضا باللغط الذي أثارته مسألة من الأجدر والمؤهل أكثر للعب دور كهذا هل هو البيت الأبيض والخارجية، أم الخزانة الأمريكية التي ليس من مشمولاتها الدستورية تمثيل الولايات المتحدة في اتفاقيات وساطة ذات طابع دولي؟
رابع الجبهات وأكثرها حساسية، هي الجبهة الداخلية حيث يشعر ملايين المصريين بالقلق على مستقبل بلادهم وزراعتهم وعطش عوائلهم، بسبب ما تفعله إثيوبيا. عندما يختلط هذا الخوف المشروع مع انطباع بأن الحكومة لم توفق في إدارة هذا الملف بالمهنية و«الشطارة» اللازمتين، فإنه لا مفر من أخذ ذلك بكثير من الجدية. لقد تعرض الموقف المصري الرسمي المتمسك بحقوق مصر التاريخية في مياه النيل، ورفضها أي إجراءات أحادية إثيوبية لضربة كبرى، عندما وقع الرئيس السيسي على اتفاق المبادئ في مارس 2015، الذي تضمن لأول مرة اعترافا مصريا رسميا بحق إثيوبيا في إقامة هذا السد المثير للجدل. حتى أولئك الذين ارتفعت أصواتهم بصخب ضد الرئيس الراحل محمد مرسي، في بدايات بروز قضية السد مع إثيوبيا، متهمين إياه بالسلبية، لم يعد يسمع لهم الآن أي همس، بعد أن تحول الموقف الآن إلى إمكانية اتهام بالتخاذل أو التفريط وهما أخطر بكثير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى