يونس جنوحي
كبريات دول العالم تُنبه دائما إلى مخاطر التضخم على اقتصادها. لكن بالمقابل، تبقى الأنظمة الاقتصادية الكبرى، أكثر مرونة في التعامل مع الوضع، وتضع المستوى المعيشي لمواطنيها، والخدمات العمومية، في أعلى اهتماماتها.
لكن الأمر يختلف في دول صناعية أخرى، خصوصا الصين. إذ أن الصحف المتخصصة في اقتصاد آسيا، خصوصا الـ «إتش كي بوست»، نشرت هذه الأيام تقريرا مُرعبا عن تداعيات ما أطلق عليه التقرير «رفع الحزب الشيوعي الصيني لاعتمادات الضمان الاجتماعي»، إذ أن الأسر الصينية سوف تصبح بموجب هذا القرار محاصرة أكثر إذا انضافت مشاكل الضمان الاجتماعي إلى معضلة الديون. هذا الإجراء لجأ إليه الحزب الصيني الحاكم لضمان استمرار صرف معاشات التقاعد لملايين المتقاعدين، وتوفير عائدات مالية بأثر رجعي، وهو ما يعني أن معاناة العُمال الحاليين الذين تفصلهم سنوات طويلة عن التقاعد، سوف يعانون أكثر إلى أن يبلغوا بدورهم تلك المرحلة.
انفجر هذا النقاش في الصين منذ مدة، لكن قصة أسرة صينية، تضررت أكثر بالتعديلات الاقتصادية الأخيرة، حصدت ملايين المتعاطفين. بدأ كل شيء في التاسع من يناير الحالي، عندما خاطبت أسرة صينية بقية الصينيين، وتحدث الزوجان عن معاناتهما مع الأبناك وتراكم الديون بسبب فقدان الزوج لعمله منذ ثلاث سنوات لم يفلح خلالها في تدبير طريقة سداد الأقساط وهو ما سوف يضطره إلى بيع بيته لإنهاء مشاكل العقود التي لا حصر لها مع الأبناك.
ورغم لجوء هذا الزوج إلى المتخصصين لدراسة العقود والالتزامات التي تربطه بالأبناك، إلا أنهم بقوا عاجزين في الأخير عن إسداء نصيحة له للتعامل مع قوانين بلاده الداخلية.
المعلومات الرسمية الصينية التي تعود إلى سنة 2022، تقول إن هناك 400 مليون فرد صيني يعيشون اضطرابا في ما يطلق عليه «ائتمانات الإقامة».
هذا العدد الضخم، الذي يفوق عدد مواطني دول بأكملها، يعيش ظروف عمل عصيبة، حيث تبدأ ساعات العمل الأولى مع الرابعة صباحا، ويعيشون ظروفا إنسانية واجتماعية هي الأدنى في العالم على الإطلاق. ووفق ما وثقه محققون دخلوا إلى أوراش العمل متخفين لإنجاز تحقيق، فإن الوضع الإنساني داخل بعض المعامل والأوراش يبقى كارثيا، ويعجز العمال الذين يحملون جنسية دولة تعتبر الأقوى في العالم من حيث الإنتاج الصناعي، عن توفير سكن بسيط لأسرة لا يتجاوز عدد أفرادها 3 أفراد فقط، على اعتبار التزام الصينيين بإنجاب طفل وحيد فقط.
محللون من مختلف الجنسيات كتبوا مؤخرا عن مشكلة الصين الاقتصادية الراهنة، وأغلبهم ذهبوا في اتجاه تفسير القلق العالمي بشأن ما يقع في الصين، بأن أغلب دول العالم منفتحة على السوق الصينية، ومن شأن أي مشكل اجتماعي داخلي لديها، أن يؤثر مباشرة على أسعار ما يتم استيراده من الصين.
خلال السنوات الأخيرة، نددت منظمات إنسانية حول العالم بالتدهور الذي يعيشه الصينيون من الناحية الاجتماعية، خصوصا في المناطق الصناعية والأرياف. إذ يوجد تناقض صارخ بين قوة الاقتصاد الصيني وهيمنة الصينيين على السوق العالمية، وبين المستوى المعيشي للأزواج الصينيين في أغلب المدن. الرقم الذي أعلن عنه التقرير -400 مليون نسمة من العُمال المعذبين في الأرض- يبقى ضخما ومُقلقا للغاية.
تحصيل الضرائب وارتفاع الديون، هما أكثر ما يقلق الصينيين هذه الأيام، بالإضافة إلى مشكل التلوث، فكل المنظمات العالمية التي تُعنى بالبيئة تؤكد أن الصين سوف تتجاوز هذا العام، معدل الانبعاثات المتوقع لها أن تبلغه بعد أربع سنوات من اليوم، أي أنها تلتهم السنوات لزيادة الإنتاج والتأثير في السوق العالمي، وسوف يعاني العالم كثيرا مع هذه التجاوزات. لذلك لن نستغرب إذا اضطرت كبريات الشركات العالمية التي تبيع الحواسيب والهواتف النقالة عالية الجودة، حتى الأمريكية منها، إلى رفع أسعارها، إذ أن كل هذه الشركات تصنع منتجاتها وتُركبها في الصين!