حسن البصري
في مشهد شبيه بعملية استبدال اللاعبين في ملاعب الكرة، قام الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، بإجراء تغيير اضطراري في تشكيلته الحكومية، حيث أخرج أيمن بن عبد الرحمن عميد الحكومة ورئيسها، وعوضه بمدير ديوانه نذير العرباوي، بداعي ضعف لياقة أيمن.
رئيس الحكومة الجزائرية الجديد، وجه معروف لدى لاعبي المنتخب المغربي لكرة اليد، حين كان يشارك في المنافسات القارية والعربية التي تحتضنها بلادنا، قبل أن يعتزل الكرة ويتحول إلى مهاجم في ملاعب السياسة، ويعتزل أيضا الروح الرياضية التي ميزت مساره الكروي.
الراسخون في كرة اليد المغربية كالطاطبي وبوهروال والبوحديوي وبوهلال وغيرهم من قدماء «الهوند» يعرفون الرئيس الجديد للحكومة الجزائرية، لكن في نسخته الكروية، قبل أن يتشبع بالفكر العدائي ويتخصص في تسديد شظاياه صوب البلد الذي اعتبره يوما وطنه الثاني.
لا أعرف ما إذا كان تبون قد لجأ لهذا التغيير الاضطراري، وأشرك هدافا في حكومته، بسبب وجود حارس مرمى سابق على رأس حكومتنا، مادام عزيز أخنوش قد كان يوما حارسا لعرين فريق نجمة عين السبع.
لكن ما أعرفه هو أن أغلب الرياضيين الجزائريين البارزين يتحولون إلى سياسيين بعد اعتزالهم، أو بتعبير أصح يزج بهم في ملاعب السياسة بعد أن يعلقوا أحذيتهم ليتعلقوا بتلابيب السلطة.
ليس رئيس الحكومة الجزائرية الجديد هو الوزير الوحيد القادم من ملاعب كرة اليد، فقد سبقه إلى رقعة الملعب السياسي محمد عزيز درواز، مدرب المنتخب سابقا، وهو صاحب تقنية الدفاع الهجومي المتقدم، لذا استقطبه النظام ليقوم بتنزيل خطته ويجربها في العمل السياسي، وحين أسند له تبون مهمة الإشراف العام على تنظيم ألعاب البحر الأبيض المتوسط في الجزائر، أغلق الحدود في وجه الإعلام المغربي، لإيمانه بأن الدفاع خير وسيلة للهجوم.
في حكومة أويحيى، الذي يقضي اليوم عقوبة حبسية طويلة المدى، كان ضمن تشكيلته الأساسية لاعب ورئيس سابق لاتحاد العاصمة الجزائري، مولودي عيساوي الذي شغل منصب وزير للرياضة سنة 1996، وعرف عنه تصيده لضربات الجزاء في معترك السياسة.
واعتلى العداء الأسطوري نور الدين مرسلي منصب كاتب عام لوزارة الرياضة الجزائرية، تيمنا بتجربة مغربية حين كانت العداءة المغربية نوال المتوكل وزيرة للرياضة، لكن تبين أن مرسلي لا يتألق إلا بوجود «كلب» سباق.
زواج السياسة بالكرة والسلطة في الجزائر ليس وليد اليوم، فقد كان أحمد بن بلة، أول رئيس للجزائر، لاعبا محترفا في نادي بوردو الفرنسي. وفي أول تشكيلة حكومية، أسند لعبد العزيز بوتفليقة، الذي سبق أن سقط في امتحان فريق المولودية الوجدية، مهمة وزير للرياضة والسياحة، دون أن يفهم أحد سر العلاقة بين القطاعين.
لكن هواري بومدين سيستغل هوس الرئيس بن بلة بالكرة، فخطط للقفز على كرسي الرئاسة خلال مباراة لكرة القدم جمعت بين المنتخب الجزائري وسانتوس البرازيلي، بوجود خيرة نجوم الكرة البرازيلية يتقدمهم بيلي وغارينشا، فقام بهجوم مضاد انتهى بانقلاب أبيض ليلة 19 يونيو 1965، وباسم التصحيح الثوري، نسبة للثور برجه الفلكي، سيق بنبلة من طرف الجيش إلى إقامته الجبرية.
اليوم يزج النظام الجزائري بنجومه المعتزلين في ملعب السياسة، فيساقون زمرا صوب مخيمات تندوف ابتغاء رضا حكام بلادهم، ففي هذه الربوع الصحراوية يغسلون ذنوبهم ويستخلصون شهادة «حسن السيرة والسلوك»، ويعلنون انبطاحهم للنظام. فقد حلت العداءة الجزائرية حسيبة بولمرقة بالمخيمات، بحثا عن «المرقة» وتلاها مجيد بوقرة ورابح ماجر وفضيل مغاريا ولخضر بلمومي، وهؤلاء جميعهم اقتاتوا من نعيم المغرب كضيوف شرف أو كسفراء لملف ترشيح المغرب للمونديال، وقيل أيضا إنهم سفراء للنوايا الحسنة، قبل أن يتبين أنهم سفراء للنوايا السيئة.